هل السياسة والوفاء متناقضان؟

د. نسب مرعب
د. نسب مرعب

يشهد المعترك السياسي شهية مفتوحة لدى البعض على التقلّبات والمناورات والمماحكات. فنرى طعناً بالإلتزام، وضرباً للإنتماء، وتنصّلاً من العهود والمواثيق.

لكن، عندما ينشأ مواطن في بيت ينتهج الوفاء في السياسة، يصعب عليه فهم أو تقبّل من يبيع قناعاته في سبيل مكاسب آنية. الإيديولوجيا التي يعتنقها الفرد والمفاهيم التي يتبنّاها لا تزول مع تبدّل الظروف، وتغيّر موازين القوى. وحدهم الوصوليّون هم الذين يتركون عقائدهم عند أول فرصة سانحة تلوح لهم.

فيما يبقى الإخلاص أسمى قيمة تجعل من السياسة مبدأً وشرفاً وإتقاناً. ولسنا هنا في معرض التشجيع على إتّباع الزعيم مهما فعل، والتماهي مع المسؤول دوماً، أو التشبث الأعمى بالقائد. ولكن ما نستنكره بالفعل هو التخلّي عن الاتجاه السياسي سعياً وراء ألقاب ومناصب، بما يمثّل ذروة الإنحلال السياسي. إنّ نقد رؤساء الأحزاب واجب، لتسديد خطاهم، ومناقشة قراراتهم أكثر من ضرورية، ولكن بدون نصب الأفخاخ والتسبب بالأذى لهم.

وإن أقدم فريق سياسي على تعليق عمله مؤقتاً، لأن حيثيات المرحلة تتطلب ذلك، فهذه الخطوة لا تبرّر للبعض إستهداف من إحتضنه وصنع منه قيادياً متقدماً أو عضواً بارزاً. ولن تنفع عملية البحث عن حجج واهية في تلميع صورة من يرمي تياره، ويحاول النيل منه.

الوفاء إصرار على مسيرة التيار بمنتهى الجدّية، وثبات على فكره ونهجه بكل أمانة. السياسة والوفاء ليسا نقيضين، بل هما متلازمان، فتخوض سفينة الوفاء غمار بحر السياسة المتلاطم، بقيادة قبطانها، ومن يغدر ويقفز من السفينة بملء جشعه، فمصيره الغرق لا محالة. وهؤلاء الخونة الصغار يشبهون الخفافيش التي لا تستطيع مجاراة النسور لا في تحليقها ولا في إستراحتها، لأن الخفافيش تنام بالمقلوب.

شارك المقال