متى يتحقق الاستقلال الثالث؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

أكثر ما يثير الألم في نفوس اللبنانيين اليوم، في العيد الــ79 لاستقلال بلادهم أنهم غير مستقلين فعلياً، وأن دولتهم المستقلة التي بدأوا بتأسيسها في العام 1943، والقصص التي رويت على مر أجيال وأجيال من التاريخ ليست سوى خيال، وأن الاستعراضات العسكرية للجيش التي كانت ترفع من معنوياتهم وتعلي من هاماتهم المنكسرة في الصعوبات صارت أشبه بحلم مع استعراضات الميليشيات التي لا تكف عن إبراز قوتها في كل حين، وتجاهر بتبعيتها للخارج لتغرق سيادة لبنان واستقلاله في بحر التساؤلات وترميه في قعر النسيان الدولي.

ها هو العيد يأتي من جديد في ظل شغور رئاسي، ومسؤولين لا يتحملون مسؤولياتهم والقيام بواجباتهم، يتسلون في مجلس النواب، ويروون القصص في الخارج علّهم ينالون الرضا للوصول الى كرسي بعبدا، والأنكى أنهم يتجاهلون آلام الشعب الذي يكافح من أجل البقاء وإبقاء لبنان سيداً حراً ومستقلاً، وهو متأكد أنه يوماً ما سيحاسب كل من فرّط بسيادة الوطن واستقلاله ومن أساء الى أهله وأصدقائه الحقيقيين الذين أعانوه في قيامته وساعدوه للخروج الى نور السلام بعد عتمة الحرب الأهلية وهم اليوم مع الجيش اللبناني ينتظرون قيامة جديدة عنوانها “الوطن… مسؤولية” كما ورد في شعاره الرسمي هذا العام، وهو قادر على إخراج لبنان من محنته الحالية ومنع تفشي الانقسام وقضم المؤسسات وإعادة الأمور الى نصابها علَّ ذلك يوقد الأمل في نفوس اللبنانيين لمحاسبة المتسببين من الطبقة الحاكمة ومحاكمة من اغتال وفجر وقتل، ومن سرق وأهدر وبنى قصوراً واشترى طائرات خاصة من السمسرة في مشاريع الدولة، ومن هرّب المخدرات وصنعها، ومن نشر سلاحه “المقاوم” ليضرب شعوباً عربية في بلدانها إكراماً لوليه الفقيه.

ذكرى الاستقلال ليست يوماً عادياً وان مرّت كذلك بهذه الظروف القاسية التي يعيشها وطننا الصغير، إنها ذكرى الحرية والحق، ومن الصحيح القول ان لبنان اليوم يعاني أزمة عميقة صنعتها قوة لا تؤمن بالاستقلال، ولا يعني لها لبنان سوى ساحة لأطماع دولة خارجية تموّل ميليشياتها اللبنانية وتدفعها وتشغلها لتعكير صفو المنطقة، علّها تنقذ برامجها النووية وغيرها للتمدد والاحتلال المبطن.

أزمات لبنان السياسية والاقتصادية لا تنتهي، معظمها وليد هيمنة “حزب الله” ونشاطه المشبوه الذي أدخل لبنان في عزلة إقليمية ودولية، جعلته في أسفل إهتمامات الدول، بسبب أداء مسؤوليه الذين يتقاسمون مع الحزب السلطة ويعيثون فساداً في المؤسسات ويسرقون أموال اللبنانيين وحقوقهم ويرمونهم في جهنم النيترات ويصادقون العدو بإسم “المقاومة”.

ويأتي من يؤجج الصراع الطائفي تحت شعارات واهية من نوع حقوق المسيحيين و”ما خلونا” وهؤلاء بشعاراتهم الكاذبة يغطون على فسادهم وأطماعهم ويضعون لبنان في دائرة الخطر عبر إثارة التناقضات والانقسامات الطائفية، ويشاركه أيضاً البعض بشعار واهٍ هو الآخر “سلاح المقاومة” ليثير صراعاً مذهبياً لا معنى له، حتى بات وجوده موضع تساؤل!.

قد يكون النظام الطائفي تسبب بجزء كبير من الانقسام الطائفي والأزمات، بسبب الاستعمار الفرنسي الذي كرّس الطائفية والمذهبية وجعلها أساساً لنظام الحكم في لبنان وإن طرح في اتفاق الطائف لاحقاً مجموعة من الاصلاحات للخروج تدريجياً من هذه الحال، الا أنه لم ينفذ وعرقلت محاولات تطبيق بنوده في ظل تحكم مافيا الاحتلال السوري ولاحقاً عبر الثنائية الشيعية والعونية السياسية ومعهم بعض القوى الطائفية التي تخاف على مواقعها وترفض قيام المجتمع المدني الذي يساوي بين اللبنانيين ويوحدهم بقانون واحد هو المواطنة.

لقد نجح اللبنانيون في العام 1943 في التوحد من أجل الحرية والاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي، باتفاق على ميثاق مشترك بين رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، بحيث تخلى بموجبه المسيحيون عن حماية فرنسا، والمسلمون عن الوحدة مع العرب.

لكن تبين لاحقاً أن الخلافات تطغى على الحياة السياسية، وأدت الى توترات واضطرابات وصراع مسلح، حتى بات لبنان ساحة لاختبارات دول اقليمية وعالمية، مستغلة الواقع الطائفي لتمرير مصالحها.

وها هو لبنان مع جعل دستور الطائف معلق التنفيذ نتيجة التجاذبات والصراعات المحلية والاقليمية أسير أهواء دول خارجية، وقراره السياسي مرتهن بيد ميليشيا السلاح.

لقد شهد لبنان منذ العام 2019 نزيفاً قوياً نتيجة هجرة الشباب والأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية والشغور الرئاسي والحكومي، والأمور مرجحة للمزيد من التدهور، فاللبنانيون ينتظرون من الخارج حل أزماتهم ولا يلتزمون بدستورهم بل يتخطونه من أجل الحصول على الفلوس بدل تطبيق النصوص.

لقد بات من الواجب على اللبنانيين كبح التغلغل الايراني والعودة الى عروبة لبنان، وهو أمر غير ممكن اذا لم يجرِ تسليم السلاح غير الشرعي الى الجيش اللبناني لكبح هذا التغلغل واستعادة القرار الوطني اللبناني واعادة العلاقات الطبيعية السليمة مع المحيط العربي والدول الصديقة وعدم جعل البلد مقراً لتهريب المخدرات والكبتاغون أو تصدير الميليشيات والسلاح لاستيراد أموال ايران التي تعيث فساداً في بيئات لبنانية وتجعلها في حالة تبعية إن لم نقل “بالمشبرح” عمالة.

لقد حقق لبنان استقلاله الأول منذ 79 عاماً ثم تخلص من احتلالين، الاسرائيلي والسوري الذي رحل في العام 2005 بعد انتفاضة الحرية والاستقلال اثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ولا بد له من أن يتحرر اليوم من الاحتلال الايراني المهيمن بواسطة “حزب الله”، ليحقق استقلاله الثالث، وهو أمر ليس ببعيد إن توحد اللبنانيون من جديد لابقاء راية وطنهم مرفوعة فوق كل الرايات، وحريتهم غير معروضة للبيع والشراء واستقلالهم فعل إيمان بلبنان وأهله أولاً وأخيراً.

شارك المقال