جبران “المهرج”… واللعب على الحبال!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

بينما يملأ نواب الأمة “الفراغ السياسي” بمسرحية الانتخابات الأسبوعية فضلاً عن بعض الاجتماعات غير المنتجة للجان النيابية، يتسلى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بالتجوال على بعض الدول ذات الحيثية والتأثير في لبنان للترويج لنفسه، فيطرح مناقصات ويستدرج عروضاً متوسلاً ومتسولاً ومسرّباً لأخبار توحي بأنه هو “القصة كلها” في لبنان، بشكل يذكرنا بالبهلوان في السيرك الذي يلعب ويرقص على الحبال محاولاً سرقة “الكاميرا” كما يقال بلغة الفن، ولكن في حالة جبران ونتائج جولاته تختلط صورة البهلوان الشاطر بصورة المهرج الفاشل. إذ أن إستعراضاته على الحبال حتى الآن ليست سوى عروض يفتعلها في الوقت الضائع ليثبت وجوده، بينما هو في الحقيقة يبحث عن مخارج تعيد له بعض أمل بالرئاسة لم يعد يجده داخلياً سوى بالتعطيل، وحتى التعطيل يستند فيه إلى مجاراة “حزب الله” له حفاظاً على ماء وجهه، وما ذلك إلا لأن الحزب يرى أن ساعة الصفر لم تحن بعد، لذلك فهو يعطي جبران “دوراً” وقوة مستعارة يملأ بها الساحة مع إمكان سحبها منه في أي وقت كان حين تدق ساعة الحقيقة، وهو بدوره يحاول إستغلالها لاعادة فرض نفسه على الساحة.

بعد زيارته دولة قطر سرَّب أخباراً عن أنها وكلت محامين عنه في أميركا واستنفرت اللوبي المساند لها كي يترافع عنه في الولايات المتحدة، وأنها ستكون ملاذاً آمناً لمصالحه وحساباته المالية، ليتبين بعدها أن هذه التسريبات هدفها إخفاء ما هدفت إليه الزيارة وهو “إستجداء” إجتماع مع الرئيس نبيه بري حصل عليه من دون أن يغيِّر من الواقع شيئاً، ليطير بعدها إلى فرنسا فيرغي ويزبد أمام أنصاره ليبدو كـ “بلطجي” صغير يحاول فرض نفسه بين الكبار، ويسرّب التسجيل لمن “يهمه الأمر”، ولعل “أسمج” تسريبة صدرت من هناك – ولو أنها لم تأخذ حيزاً كبيراً من الانتشار لسماجتها – أنه “يسعى” لدى فرنسا لاقناع الرئيس سعد الحريري بالعودة إلى الساحة السياسية، في محاولة – حسب إعتقاده الساذج ربما – للعب على عواطف السُنة الذين لم تعد تمر عليهم هذه “الأفلام المحروقة”، وهو ما يظهر مدى تخبطه خصوصاً مع إنتهاء عهد عمه في رئاسة الجمهورية بحيث كان يلعب دور “رئيس الظل”، ليعود اليوم إلى حجمه الطبيعي بعد الانتفاخ الذي أصابه طوال ست سنوات وهو على خصام مع غالبية ألوان الطيف السياسي، بحيث بات – سواء إعترف أم لا – أسيراً لدى “حزب الله” على الرغم من كل “تسريباته” المدروسة لشد عصب جماعته وتكراره “المريب” بأن السيد حسن لا يمون عليه في الموضوع الرئاسي كما في موضوع “بناء الدولة”، وهو يعرف تمام المعرفة بأن هذا الكلام ليس أكثر من مادة للاستهلاك الداخلي في التيار.

تأتي هذه البهلوانيات في وقت تزداد فيه معاناة البلد والناس على جميع المستويات، حتى بات مجرد عرض المونديال – على الرغم من التسول الذي مارسته الحكومة – على “تلفزيون لبنان” للترفيه عن الناس وتسليتهم مؤقتاً “ترفاً” بعيد المنال بسبب هذه البهلوانيات والمزايدات، عندما يرفض إجتماع الحكومة في أمر يخص اللبنانيين جميعاً، ولا يؤثر على التوازن الطائفي الذي يدعي دائماً الحفاظ عليه والتمسك به.

من المعروف أن اللعب على الحبال عادة ما يكون على حبال مشدودة، وهي لعبة خطرة تتطلب مهارات فائقة وخفة ظل وحركة، وتوازنات شديدة حتى يصل اللاعب إلى نهاية جميلة وممتعة تسر الناظرين، لكن جبران باسيل يلعبها غلط وعلى حبال رخوة يمسك بها “حزب الله” يشدها تارة ويرخيها أخرى، ليبدو معها مهرجاً أكثر منه لاعباً محترفاً، يستجلب الضحك والسخرية من الجمهور أكثر مما يستجلب المتعة والاعجاب، وقد يكون هذا الضحك والسخرية حميدين لو كانا في سيرك عادي، إلا أنه عندما يتحول الوطن كله إلى سيرك كبير، يتحول العرض إلى مأساة والضحك والسخرية إلى بكاء، يتسبب به بهلوان ومهرج فاشل في فرقة متنافرة متنابذة يديرها مخرج شرير يلعب على حبالها المشدودة نحو العصب الطائفي، عرف كيف يزرع هذا المهرج في جنباتها، ليسلِّطه عليها واحداً تلو الآخر عبر النفخ فيه لتبدو له عضلات وهمية، يستغلها هو للاحتفاظ بخيوط هذه الفرقة من “الماريونيت” من وراء الستار، ليسهل عليه لجمها والتحكم بمسار الأمور في السيرك وقد نجح حتى الآن، فهل يستمر؟ وإلى متى؟ هذا هو السؤال.

شارك المقال