الدولار يؤلم الدول الأفريقية والخيارات السياسية قليلة

حسناء بو حرفوش

لا شك في أن ما يحصل في الداخل الأميركي وتحديداً في ما يتعلق بالدولار وبمساعي الاحتياطي الفيدرالي لاستعادة السيطرة على التضخم المرتفع، له عواقب بعيدة المدى، بحيث يستخدم الدولار الأميركي بصورة بارزة في جميع أنحاء العالم كوسيلة دولية للتبادل وكعملة احتياطية عالمية، حسب ما لفت جوناثان مونيمو، الأستاذ المتخصص في الاقتصاد في جامعة سالزبوري.

ووفقاً لمونيمو، “يعرّض ارتفاع الدولار أفريقيا لضربة قوية بسبب التضخم الناجم عن الحرب في أوكرانيا. ومع زيادة قوة الدولار، تزداد الضغوط التضخمية عبر القارة. وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة الى البنوك المركزية خصوصاً في إطار المساعي المبذولة لترويض التضخم المرتفع. وستشعر البلدان بمعاناة إضافية مع تموجات قوة الدولار عبر أفريقيا، مما قد يتسبب بضغوط على أحجام التجارة وبتشديد شروط تمويل التجارة وازدهار الديون السيادية إلى جانب ارتفاع تكاليف خدمة الديون.

ويزيد ضغط الدولار من الأعباء على النشاط الاقتصادي العالمي، بحيث يضغط على العملات الأخرى لإضعافها. وتلقي هذه النتيجة بثقلها على النشاط الاقتصادي، مما يعزز ضعف العملة ويطلق حلقة من ردود الفعل الذاتية. وقد أثيرت بالفعل مخاوف بشأن هذه الحلقة بالنسبة الى الاقتصاد العالمي. ولسوء الحظ، لا تملك البلدان الأفريقية سوى خيارات قليلة للاستجابة. ويمثل معظمها تحدياً، فحيث يمكن الاستمرار برفع أسعار الفائدة لدرء ضغوط انخفاض قيمة العملة، يواجه صانعو السياسات صعوبة في الموازنة. أما الخيارات البديلة فتقضي بمحاولة احتواء الضغوط الناجمة عن انخفاض قيمة العملة من خلال التدخل في سوق العملات باستخدام احتياطيات النقد الأجنبي. هذا تحد جديد. وشهدت العديد من البلدان الأفريقية نفاد فائض احتياطياتها بعد برامج دعم الانفاق العام الكبيرة التي حفزتها الجائحة ومدفوعات أعلى تكلفة على وارداتها من السلع الأساسية.

وارتفعت قيمة الدولار الأميركي بصورة كبيرة منذ آذار 2022 عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي حملته القوية لرفع أسعار الفائدة في محاولة لمعالجة التضخم. وارتفع مؤشر الاحتياطي الفيدرالي بالدولار بنحو 10٪ مما أدى إلى إضعاف العملات الأفريقية. وتأتي التطورات المتعلقة بالدولار في الوقت الذي تتعرض فيه أفريقيا لضربة شديدة جراء ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. وقامت البنوك المركزية في جميع أنحاء المنطقة بتشديد أسعار الفائدة لمعالجة ارتفاع التضخم الذي سببته الحرب.

ويؤدي الارتفاع بالدولار الى تفاقم مشكلات التضخم عن طريق إضعاف عملات البلدان الأفريقية وبالتالي رفع أسعار الواردات المقومة بالدولار. ومع ارتفاع قيمة الدولار، تزداد الضغوط التضخمية، وهذا يزيد بدوره من صعوبة كبح جماح التضخم المرتفع على البنوك المركزية. وعلى الرغم من أن الدولار القوي يحسن القدرة التنافسية للصادرات الأفريقية، قد لا تكون المكاسب من العملات الأضعف كبيرة في نهاية المطاف، وذلك لأن فواتير الصادرات غالباً ما تكون بالدولار الأميركي. لذلك، في حين أن ضعف العملة يجعل السلع أرخص في العملة المحلية، لا يترجم هذا دائماً إلى سلع أرخص للمشترين الأجانب الذين يدفعون بالدولار الأميركي.

الفواتير بالدولار هي سمة بارزة أيضاً في تمويل التجارة في البلدان النامية. وتعتمد الشركات العاملة في تجارة البضائع بصورة كبيرة على التمويل المصرفي لرأس المال العامل، بسبب الاختلاف في التوقيت بين تكبد التكاليف وتلقي المدفوعات. ويؤدي ارتفاع الدولار الى تشديد شروط تمويل التجارة، مما يحد من وصول الشركات إلى التمويل. هذا يعوض أي تحسن في القدرة التنافسية للصادرات، ويزيد من إضعاف التجارة الخارجية. وأجرى بنك التنمية الأفريقي دراسات متعمقة حول تمويل التجارة عبر أفريقيا. كما أجرت مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية دراسة مشتركة تركز على ساحل العاج وغانا ونيجيريا والسنغال. وتوصلت هذه الدراسات إلى أن البنوك تحدد نقص السيولة الكافية بالدولار واليورو كعائق مهم لتمويل التجارة. ومن خلال تشديد شروط تمويل التجارة، يزيد الدولار القوي من قيود رأس المال العامل للشركات. وتعتبر الزيادة السريعة في أسعار الفائدة الأميركية محركاً رئيساً لتسريع قوة الدولار. وقد أدى ذلك الى تشديد الأوضاع المالية إلى حد كبير بالنسبة الى الحكومات الأفريقية ذات المستويات المرتفعة من الديون المقومة بالدولار وأسعار الفائدة المرتفعة من أعباء خدمة الديون، وتزيد من المخاوف بشأن القدرة على تحمل الديون، خصوصاً بالنسبة الى أكثر من 20 دولة أفريقية يعتبرها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي معرضة لخطر كبير من ضائقة الديون أو تواجه ضائقة ديون. وبالفعل، تواجه القروض الأفريقية لكبار الدائنين مثل الصين ضغوط سداد متزايدة، مع الاشارة الى أن معظم هذه القروض بشروط تجارية ومقومة بالدولار الأميركي.

كيف تستجيب الدول الأفريقية للدولار؟

الخيارات قليلة وصعبة ولا يوجد حل سحري، لكن على المدى القصير، هناك خياران رئيسان: يقضي الأول بالاستمرار في رفع أسعار الفائدة لدرء الضغوط الناتجة عن انخفاض قيمة العملة من الدولار القوي. ومع ذلك، إذا استمرت أسعار الفائدة في الارتفاع، فستضغط على الانتاج وقد تتسبب بركود في بعض الاقتصادات الأفريقية، ويجب أن ترفع المعدلات بعناية لتجنب الانكماش الاقتصادي. أما الخيار الثاني فيقتضي وقف ضغوط انخفاض قيمة العملة من خلال التدخل في سوق العملات، وهذا يتطلب استخدام احتياطيات النقد الأجنبي لدعم العملة… في خيار غير متاح على نطاق واسع. واستنفدت العديد من البلدان الأفريقية احتياطياتها الفائضة بعد البرامج الكبيرة للانفاق العام خلال جائحة كورونا والمدفوعات الأكثر تكلفة على وارداتها من السلع الأساسية. ونتيجة لذلك، أصبحت احتياطيات العملات الأجنبية منخفضة بصورة خطيرة بالفعل في عدد من البلدان.

ووفقاً لصندوق النقد الدولي، تمتلك ربع بلدان أفريقيا احتياطيات أقل من ثلاثة أشهر من الواردات ولدى أكثر من ثلاثة أرباعها احتياطيات أقل من خمسة أشهر. وبالنظر إلى أن العملات الأضعف تزيد من القوة الشرائية للمسافرين، قد يطرح تعزيز السياحة كأحد الخيارات للمساعدة في دعم العملات المحلية على المدى المتوسط”.

شارك المقال