كابوس النقابة والنيابة

لبنان الكبير

قانون انتخابي لا يمكن وصفه إلا بالمسخ، أوصل شخصيات إلى سدة النيابة، لا تمثل فعلياً المجتمع الذي ترشحت عنه، بل هي لم تكن تحلم حتى بلقب سعادة النائب لو كان القانون يؤمن عدالة حقيقية في التمثيل، وربما أكبر دليل على ذلك هو العاصمة بيروت، التي تمثلها اليوم شخصيات لا تشبهها على الاطلاق، وهي تأتمر من بقايا النظام الأمني السوري البائد، وهذه الشخصيات أصلاً لم تكن لتحلم بالنيابة حتى بقانون المسخ هذا، لو أن تمثيل بيروت الحقيقي، تيار “المستقبل”، خاض الانتخابات، شخصيات ركبت موجة احتجاجات الشعب المنتفض على الواقع، مطالباً بالتغيير، إلا أن المؤامرة كانت أكبر، واستطاعت هذه الشخصيات زوراً الحصول على لقب تمثيل العاصمة.

“الحلم الآتي” تحول إلى كابوس في نقابة المحامين، حيث أن غالبية المحامين حتى من أيده وخاض الحملات له، من أجل أن يصل إلى المنصب في حينه، ندم أشد ندامة، فنقابة عاصمة التشريع لم تكن يوماً في حال سيئة كحالها في عصره، هو الذي استخدم النقابة لأجنداته الخاصة، إن كان بالاستعراض الشعبوي، أو عبر تنفيذ أجندات العهد البرتقالي المنتهي. فقد اشتكى عدد كبير من المحامين، من أنه كان يخضع لرغبات المحامين العونيين في مجلس النقابة، وقد عطل سير العدالة في البلد، عبر فرض إضراب للمحامين استمر 5 أشهر، بحجة حقوقهم، ولكن الحقيقة أن الرجل كان ينفذ أجندة سياسية، والمحامون ضاقوا ذرعاً به في حينه، ولم يصدقوا كيف يمكنهم الانتهاء من عهده كنقيب، بعدما حوّل النقابة من نقابة المدافعين عن حقوق المحامين إلى نقابة الزواريب السياسية البعيدة كل البعد عن حقوق المحامين، فعندما أصدر قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم قراراً منع بموجبه النائب المحامي هادي حبيش من ممارسة مهنة المحاماة، وكانت حينها أول إشارة قضائية لاتخاذ إجراء بمنع محامين من مزاولة مهنتهم، انتفضت آنذاك نقابة طرابلس والشمال اعتراضاً على قرار المنع، معتبرة أن القرار من صلاحية مجلس النقابة ولا صلاحية للقضاء باتخاذ إجراء يخفي طابعاً تأديبياً.

حينها اتصل نقيب المحامين في طرابلس والشمال محمد المراد بـ “سعادة الحلم”، طالباً منه اتخاذ موقف موحد تجاه قرار القاضي بيرم، الذي رد قائلاً: “أنا معك يا نقيب، لكن ما بقدر مون على أعضاء مجلس نقابة بيروت، فأكثريتهم ينتمون للتيار الوطني الحر”. فهل هذا جواب نقيب المحامين جميعاً، أم نقيب العونيين، الذي أعلن من أجلهم الاضراب عندما صدر قرار مشابه من القاضي نفسه بحق المحامي المقرب من العهد رامي عليق؟

اللافت أن الشعارات التي رفعت للاضراب تشعّبت وتبدّلت مع الزمن لتتحول إلى تصحيح العلاقة بين جسم القضاء والمحامين، ولاحقاً رفع شعار الضغط لتحقيق استقلالية القضاء أخيراً وليس آخراً “القضاء في خطر” وصولاً إلى إعلان النقيب نيته التوجه نحو الأمم المتحدة، وكل هذه عراضات، فلو أن النية الحقيقية هي استقلالية القضاء، لكان يجب التوجه إلى مجلس النواب، لا التوجه الى إضراب ضرب المحامي الذي لم يصل إلى أي نتيجة، ولذلك لم يصدق المحامون أن تبدأ انتخابات جديدة للنقابة، كي يخلعوا “الكابوس”، وينتخبوا أي شخص آخر، بعدما ضرب بأدائه حتى الثورة، فلم يعد المحامون يثقون بها، ورفضوا أن يكون أي محامٍ تابعٍ لها نقيباً.

أما نيابيا، فـ “الكابوس الآتي” الذي لا يشبه المنطقة التي انتخبته، ولا يشبه أهلها، حظي أصلاً بدعم من الثنائي الشيعي تحت الطاولة، الذي رفد له أكثر من ألف صوت بعد ظهر يوم الانتخابات في أيار الماضي، وكل من يحضر جلسات المجلس النيابي يشاهد التنسيق الكبير بينه وبين رمز فلول النظام الأمني السوري، الذي يبدو وكأنه يأمره ويديره ويدير مواقفه، وربما هذا سبب إقدامه على تقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة لابطال قرار المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بشأن رفع رسوم الاستحصال على سجل عدلي.

تغاضى “الكابوس” عن كل الرسوم التي رفعت في دوائر أخرى، ولم ينتفض إلا على قيادة قوى الأمن الداخلي، ولكن مهلاً، المراجعة تتزامن مع حملة ممنهجة تقودها قوى الممانعة ضد اللواء عثمان، ولذلك الأمر ليس صدفة، بل يعني أن الأمر صدر من لواء الارتهان للنظام السوري، بالمشاركة في الحملة ضد اللواء.

أشباه هذا الكابوس لا يمثلون بيروت، والصدف هي التي جعلتهم نواباً عنها، ولكن بيروت دائماً تنظف نفسها من دخلاء أنظمة الإجرام، وحتما سيأتي اليوم التي تلفظ فيه فتى المخابرات ودميته التي ظنت أنها استطاعت التسلل إلى الداخل البيروتي. هذا سيحصل عندما يعود ممثلو بيروت الحقيقيون، الذين يغيبون اليوم بالشكل، إلا أنهم لن يتركوا العاصمة لقمة سائغة لأصحاب الأجندات المشبوهة.

شارك المقال