الحملة على عماد عثمان استكمال لاغتيال وسام الحسن؟

زياد سامي عيتاني

“إلتزام القانون بكلّ المعايير لم يكن يوماً بالنسبة لي خياراً، بل هو واجب نهائي. وأن يأتي من يحاول تشويه سمعتي في هذا المجال تحديداً، فهو إما جاهل، وإما كاذب، وإما مستكتب في مطبوعة صفراء، لوثت وجه الصحافة أولاً، إذ استبدلت الساطور بالقلم، واستهانت بكلّ المعايير الأخلاقية. إطمئنوا، فأنا لست ممن يخضع للابتزاز، ولستم أنتم من يصلح للكلام عن القانون”.

بهذه الكلمات المقتضبة وبالغة التعبير، ردّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان على التعرّض الجديد الذي استهدفه، وعلى من يقف خلفه، ومن يحرّك مفتعليه عن قرب أو عن بُعد، والذي يندرج في سياق سلسلة الحملات الممنهجة والمنظّمة التي لم توفره قط، منذ أن تولى منصبه الأمني، والمرشّحة للاستمرار، وربما للتعاظم في مرحلة الفراغ والتعطيل التي تتخبط بها البلاد على المستويات كافة.

وما “المسرحية” الاعتراضية للقضاة المعتكفين (!) على اللواء عثمان سوى محطة في هذا المسار، بحيث كالوا له الاتهام بأنّه أخذ دور المدعي العام وأعطى الأوامر لعناصره بتوقيف الأشخاص المشتبه بهم، من دون الحصول على إشارة قضائية.

هنا لا بدّ من التوقّف عند هذا الموقف لبعض القضاة “المُسيّسين” (!) المعروفين بولائهم إن كان سياسياً أو تبعياً لقادة أمنيين سابقين، إذ أنّ موقفهم التحاملي على قائد جهاز أمني يقوم ضباطه وعناصره بتأدية واجبهم إلى جانب الجيش اللبناني وباقي الأجهزة الأمنية، على الرغم من ظروفهم المعيشية الكارثية والمأساوية بسبب تردّي أوضاعهم المالية وتدني قيمة رواتبهم والتقديمات الصحية والاجتماعية لهم ولأسرهم، في ظل الشلل التّام للمؤسسات الدستورية، تبعاً للفراغ الرئاسي؛ يأتي في وقت هم متخلون عن واجبهم الوظيفي والأخلاقي في سابقة لم يشهدها أيّ جهاز قضائي في العالم، حيث أنّ جميع قضاة النيابات العامة، سواء المدعون العامّون أو المحامون العامّون مستمرون في إضرابهم المفتوح منذ بداية شهر حزيران الماضي، وبالتالي رفضهم إعطاء الاشارة لتوقيف المتشبه بهم حتى ممن ألقي القبض عليهم بالجرم المشهود، ما يلقي بثقله على واقع المواطنين ويلحق الظلم بحقوق الناس، خصوصاً الموقوفين المعلّقة ملفاتهم، ويؤجّل البت بطلبات إخلاء سبيلهم.

وهذا التقاعس والتخاذل القضائي يضاعف من مسؤوليات القوى الأمنية مجتمعة، لإبقاء الوضع الأمني ممسوكاً وتحت السيطرة، على الرغم من علم الجميع بحجم الخطر الذي يهدّد لبنان في أمنه العسكري والاجتماعي.

فبدلاً من تسهيل عمل الأجهزة الأمنية لتأدية مسؤولياتها وواجباتها الجسام في الإمساكب زمام الأمور الأمنية ومنع تفلّتها، تداول عدد من القضاة معروفي التوجّه معلومات زعمت أن اللواء عثمان بمذكرته، أخذ دور المدعي العام وأعطى الأوامر لعناصره بتوقيف الأشخاص المشتبه بهم، من دون الحصول على إشارة قضائية، معتبرين ذلك، مخالفة للقانون وبعيدة عن الواقع.

والأخطر من ذلك، أنّ هؤلاء القضاة ضربوا عرض الحائط بالموافقة المسبقة للنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات خلال اجتماع الأمن المركزي الذي عقد برئاسة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، لقوى الأمن الداخلي ورجال الضابطة العدلية، للانتقال إلى موقع أيّ جريمة وتوقيف المشتبه بهم في حال الجرم المشهود، مؤكّداً أن النيابة العامة التمييزية لا تبدي أيّ تحفظ عن أداء قوى الأمن، قيادة وضباطاً وأفراداً.

هذا السلوك غير المسؤول للقضاة، والذي لا يمتّ الى أخلاقيات مهنتهم بأيّ صلة، يطرح سؤالاً محوريّاً: هل يسعى محركو هؤلاء القضاة المتواطئين، إلى ضرب الأمن في لبنان، وصولاً الى الرغبة المزمنة في ضرب مؤسسة قوى الأمن الداخلي لغايات وإعتبارات سياسية لا داعي للتذكير بها؟

فتاريخ استهداف هذه المؤسسة يعود إلى زمن تولي اللواء الشهيد وسام الحسن بجدارة وكفاءة عاليتين غير مسبوقتين رئاسة فرع المعلومات، والذي يسجّل له أنّه عمل جاهداً على تحقيق نقلة نوعية في عمل الفرع وأدائه، معتمداً على أحدث الأساليب والتجهيزات العصرية المتطورة، فخوراً بمساهمته في تلك النقلة النوعية التي أحدثها ووضعه في مصاف مثيلاته في الدول المتقدّمة، مما مكّن الفرع من كشف وتفكيك شبكات وخلايا مجنّدة من العدو الصهيوني، والتنظيمات الارهابية، من خلال القيام بعمليات نوعيّة استباقية، أبطلت مفاعيلها، وقطع أمامها الطريق لتنفيذ مآربها الإجرامية.

ومما لا شكّ فيه، أنّ تلك الانجازات الأمنية، هي السبب الأهم والأبرز، الذي دفع اللواء الحسن ثمناً له، اغتيالاً (١٩تشرين الأول ٢٠١٢)، بهدف اغتيال فاعليّة قوى الأمن الداخلي، وضمناً فرع المعلومات، وشلّ قدراته لابقاء الساحة اللبنانية مشرّعة أمام شتى الشبكات الإستخباراتية والإرهابية العدوة منها و”الصديقة” (!) بهدف زعزعة استقرار لبنان ومناعته الأمنية، سعياً الى تقويضه وإنهياره، تمهيداً لتغيير نظامه السياسي وهويّته وسلخه عن محيطه العربي، وإقحامه في صراعات المحاور.

فالجميع يعلم علم اليقين، أنّ لبنان يقع في منطقة تعيش منذ سنوات في ما يشبه البركان، الذي قد تبلغ شراراته وطننا، لكنّ أجهزتنا الأمنية بذلت جهوداً جبارة لمنع وصول هذه الشرارات إليه ومنع الارهاب من التغلغل في أرضه.

لذلك، فإنّ المتابعة والملاحقة صارتا من أساسات العمل اليومي لقوى الأمن الداخلي، إذ لا يجوز أن تمرّ جريمة واحدة مرور الكرام، بل ينبغي المتابعة والتنقّل من نقطة إلى أخرى حتى بلوغ الخيط الذي يوصل إلى كشف الجريمة، لا سيما وأنّ الجريمة باتت لها وسائل متطورة، تستوجب مقابلتها بالتقنيات العالية لمكافحتها.

إنّ الثقة التي حصدتها قوى الأمن ترتّب على قيادتها ومختلف تشكيلاتها مسؤوليات كبيرة، إذ عليها الحفاظ على مستوى المؤسسة، بل التقدّم إلى الأمام عبر تطوير أساليب العمل. وهذا ما فعلته المديرية (ومطلوب منها الاستمرار) بعد أن تمّ تغيير كل أساليب العمل القديمة وإستبدالها بوسائل حديثة تواكب تطور الجرائم ومخططات الشبكات الإرهابية.

وهذا الواجب الثقيل الملقى على عاتق مؤسسة قوى الأمن الداخلي، لا يمكن تحقيقه من دون غطاء سياسي من جميع السلطات الرسمية، على قاعدة التعاون والتنسيق مع باقي القوى النظامية والجهاز القضائي، لأنّ جميعهم يشكلون الضمانة الوطنية المتماسكة لحماية لبنان وأمنه وإستقراره.

ولكن، ثمة جهات سياسية وغير سياسية، محلية وخارجية، ما زالت تضع نصب أعينها ضرب مؤسسة قوى الأمن الداخلي هدفاً إستيراتيجياً لها (!) وما الحملة الأخيرة من بعض القضاة على اللواء عماد عثمان القائل: “إذا كان القضاء بخير فالبلد بخير”، سوى سياق يندرج في إطار استهداف المؤسسة، منذ إغتيال اللواء وسام الحسن.

شارك المقال