بلوشستان الخاصرة الرخوة للنظام الايراني… ثورة لا تهدأ

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

منذ مقتل الشابة مهسا أميني وإندلاع الانتفاضة الشعبية في إيران إحتجاجاً على ممارسات النظام ضد حرية المرأة وتفاقم الأزمات المعيشية وانعدام الخدمات الضرورية وتزايد الفقر، يكاد لا يمر يوم من دون أن تكون بلوشستان أحد أهم عناوين نشرات الأخبار والصحف، فبعد مقتل أميني، صعَّد النظام الايراني من قمع المحتجين البلوش في إقليم سيستان وبلوشستان الحدودي مع باكستان وأفغانستان، وحوَّل مسار الاحتجاجات الشعبية في الاقليم إلى اشتباكات دامية أسفرت عن مئات القتلى والجرحى، وهو رقم يعتبر الأعلى مقارنةً بإجمالي عدد القتلى المحتجين في بقية المحافظات.

كان لهذه الاحتجاجات طابع خاص لا سيما مع خروج النساء في زاهدان ودعوتهن الى الثورة، إضافة الى تصعيد التحركات في مختلف المدن البلوشية تعبيراً عن حالة الاحتقان الشعبي من ممارسات القمع لهذه المناطق السنية في غالبيتها بنسبة 85 بالمئة، والتي شهدت يوم 30 أيلول/سبتمبر الماضي، تظاهرات حول مركز للشرطة في مدينة زاهدان، احتجاجاً على اغتصاب أحد أفرادها فتاة من البلوش تبلغ من العمر 15 عاماً.

تبدو بلوشتسان الخاصرة الرخوة لنظام الولي الفقيه، وهي منطقة مهمّشة لكون أهلها لا يتماشون مع النظام الديني المفروض، الذي يتعامل معهم بأبشع الطرق الأمنية، وهم مبعدون عن المشاركة في السلطة، من خلال الدستور الذي يمنع السنَّة من تقلد المناصب السياسية العليا، حتى محافظو هذه الأقاليم عادةً يعيّنهم أشخاص ذوو أصول فارسية، على الرغم من أن البلوش يشكِّلون الغالبية وهناك أقليات أخرى مثل الأكراد والسيستانيين الذين يتبعون المذهب الشيعي.

بالاضافة الى التهميش السياسي هناك تهميش إقتصادي لها كما غيرها من المحافظات الحدودية، التي تقطنها أقليات كالكرد والعرب، اذ تخصص لها نسبة محدودة للغاية من المشاريع التنموية، مع أن بلوشستان تُعَدّ ثاني أكبر محافظة بعد كرمان من بين 31 محافظة إيرانية، وفيها موارد طبيعية هائلة من النفط والغاز والذهب واليورانيوم والنحاس، لكن أوضاع مواطنيها متردِّية للغاية نتيجة الفقر والأُمِّية.

كلف النظام الايراني الحرس الثوري إخماد الاحتجاجات في بلوشستان، بالقمع والاعتقالات والغاز المسيل للدموع واستخدام الرصاص الحي والطائرات ضد المحتجين، وحاول إضفاء الطابع الانفصالي عليها.

يقول عضو “المجلس الوطني للمقاومة” مهدي عقبائي لـ “لبنان الكبير” عن السمات البارزة لانتفاضة بلوشستان: “هناك دور مهم للقوميات العرقية في الانتفاضة. قبل ذلك، حاول النظام وعملاؤه بصورة مباشرة وغير مباشرة قمع الانتفاضة من خلال تصنيف القوميات الايرانية على أنها انفصالية. وبهذا العذر يبررون قمعهم لاحتجاجهم على الازدواجية والتمييز والقمع الذي يواجهونه. لكن في الانتفاضة الحالية، المستمرة منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر، اتحدت جميع المجموعات العرقية ضد النظام. في غضون ذلك، وجدت بلوشستان مكانة خاصة”.

ويضيف: “كان أهالي هذه المنطقة من إيران مضغوطين بشدة بسبب القمع والضغط اللذين لا يوصفان خلال 43 عاماً من حكم الملالي وسياساتهم الاقتصادية والاجتماعية العنصرية. وتم تفريغ كل هذه الضغوط المجتمعية والغضب الشعبي ضد النظام منذ بدء انتفاضة الشعب الايراني ولن تتوقف حتى الاطاحة به. لقد قام أهالي زاهدان بانتفاضة كبيرة ضد النظام العام الماضي، لكن هذه المرة ارتبطت انتفاضتهم بالانتفاضة الوطنية في البلاد، وكل إيران تدعمهم. لهذا السبب، وعلى الرغم من القمع الدموي والخطط والمؤامرات المختلفة، لم يتم إخمادها كما هو الحال في محافظات إيران الأخرى، ويخرج أهالي زاهدان ومدن أخرى، كل جمعة إلى الشوارع، وسط حضور كبير من النسوة البلوشيات، ليرددوا شعار الموت لخامنئي”.

ويوضح عقبائي أن “خامنئي أرسل منذ وقت ليس ببعيد، وفداً إلى هذه المحافظة في مخطط خبيث لخداع الناس وفي محاولة لوأد الانتفاضة، ولكن أفشل المواطنون البلوش مهمة مبعوث الولي الفقيه الملا حاج علي أكبري قبل بدئها، بخروجهم الى شوارع زاهدان ومدن أخرى بشعارات (هذا العام عام الدم سيسقط فيه خامنئي) و(الأكراد والبلوش إخوة ويكرهون المرشد) مما دفع خامنئي الى استبداله بقائد قوات الحرس حسين سلامي، وخلال كلمته التي ألقاها في ملعب زاهدان، أعاد سلامي تدوير أكاذيبه، بادعائه أن النظام يعتبر المحافظة متميزة، ويسعى دائماً إلى ازدهارها وسلامها وأمنها، بناء على تعليمات خامنئي، موحياً بأن ما يقوله هو الرسالة التي يحملها من رأس النظام، لكن للمواطنين الايرانيين ما يكفي من التجربة لمعرفة الترجمة الحقيقية لوعود الولي الفقيه بـ (الرفاهية والسلام والأمن) وهي الفقر، الحرمان، القهر، والنهب، فلم تكن رسالة سلامي الأولى من نوعها، ولا يغيب عنهم أن الرسائل الودية لا ينقلها قادة قوات القمع، المجرّبة بجرائمها وقمعها للمواطنين، ويعي الايرانيون أيضاً أن استبدال لغة التهديد والوعيد بوعود الرفاهية والأمن دليل واضح على ضعف الولي الفقيه وعجزه عن مواجهة الانتفاضة”.

ويلفت الى أن الشارع الايراني “لم ينس ذهاب سلامي إلى مدينة شيراز بعد جريمة مزار شاهجراغ الكبرى بأمر من خامنئي، ليهدد من وصفهم بالمشاغبين قائلاً: تخلوا عن الشر، اليوم هو يوم انتهاء أعمال الشغب، لا تخرجوا إلى الشوارع مرة أخرى. ويجد الايرانيون في تغير النغمة ما يكفي من الدلالات على مرغ الانتفاضة، التي يطلق عليها قائد قوات الحرس (الفتنة العظيمة) و(الحرب العالمية العظيمة) أنف الولي الفقيه في الوحل. وظلت لغة التهديد والتكشير عن الأنياب حاضرة بشكل أو بآخر في لغة سلامي، لتكشف عن زيف الرسالة المزعومة، فقد تحدى القوى العظمى وتنبأ بانهيارها وهزيمتها، وحذر من الوقوف في المنتصف، داعياً لعودة المخدوعين إلى حضن الأمة، وانزلق خطابه الديماغوجي الى صراعات النظام الداخلية بانتقاده الذين يصافحون أوهام الأعداء، ويلهثون وراء السراب ولا يصلون الى الماء”.

ويرى عقبائي أن “أعمال القتل التي ارتكبها الحرس في زاهدان وخاش يوم الجمعة الدامية، وسفكت خلالها دماء 130 شهيداً، بينهم العديد من الأطفال، جاءت لتزيد من المفارقات والتشوهات الكاشفة لعمق مأزق الملالي”، مؤكداً أن “الولي الفقيه يعي انكشاف الخداع والديماغوجيا في الخطاب السياسي المهلهل الذي يتوجه من خلاله الى المواطنين، ووحدة الشارع خلف هدف التغيير الجذري والحقيقي، لكنه لا يجد بديلاً عن اعادة انتاج خطابه، على أمل كسب الوقت، الأمر الذي يدركه الايرانيون، الذين يحرصون على توجيه الرسائل اليومية بفلتان الخيوط من بين أصابعه”.

كما يشير عقبائي الى “ما شهدته مدن محافظة سيستان وبلوشستان يوم الجمعة 2 ديسمبر (كانون الأول) من مظاهرات حاشدة بمشاركة آلاف النساء والرجال. وقام أهالي زاهدان مركز المحافظة قاطبة بمظاهرات حاشدة هاتفين بشعار الموت لخامنئي والموت للباسيج والحرس، و(نحن لا نريد حكومة قاتلة الأطفال) في اشارة الى قتل الحكومة الأطفال في الانتفاضة. وفي جابهار في بلوشستان هتف المتظاهرون الموت لخامنئي، كما شهدت مدينتا زاهدان وخاش في بلوشستان مجازر خلال الشهرين الماضيين بحيث قامت قوات الحرس باطلاق النار المباشر على المتظاهرين مما أدى الى استشهاد أكثر من 100 متظاهر من ضمنهم طفلة عمرها 7 سنوات اسمها هستي ناروئي”.

شارك المقال