الثنائيّات نقيض التعدديّة!

رامي الريّس

ليس لبنان بلد الثنائيّات. أقله هو لم يعد كذلك بعد إقرار اتفاق الطائف، والأكثر دقة أن وسمه بهذا التصنيف العمودي لم يعد صالحاً منذ أن أُعلنت ولادة لبنان الكبير وضمّت الأقضية الأربعة، ومن ثم في حقبة الاستقلال وولادة الجمهوريّة الأولى سنة ١٩٤٣ وما تلاها من حقبات سياسيّة شهدت تحولات كبيرة بعضها تدريجي يشوبه البطء الشديد، وبعضها الآخر بفعل النزاعات المسلحة التي اندلعت بعنف وغيّرت الوقائع ودفعتها في إتجاهات جديدة.

وفي إطار هذه القراءة لا يمكن إشاحة النظر عن الثنائيّة التي وُلدت في ظلالها فكرة الميثاق الوطني التي، وإن سعت الى إشراك شرائح مجتمعيّة أخرى، إلا أنها اختزلت آليّات القرار السياسي في المؤسسات الدستوريّة الأساسيّة ضمن أسوار تلك الثنائيّة.

ولا مبالغة في القول إن ذلك أدّى، فيما أدّى إليه، لتراكم مشاعر الدونيّة عند قوى وشرائح أخرى لمست بفعل الممارسة السياسيّة اليوميّة كما بفعل الخيارات الاستراتيجيّة الكبرى أن مشاركتها في صناعة القرار الوطني هامشيّة وشكليّة، وأن سطوة الثنائيّة على مجمل عناصر التركيبة السياسيّة جعلتها في مرتبة دونيّة.

طبعاً، ليست مناسبة هذا الكلام إعادة قراءة التاريخ اللبناني المعاصر لاسيّما لناحية كيفيّة صناعة الاستقلال الوطني (وهو منقوص لأسباب عديدة أخرى تضاف إلى هذا السبب الجوهري)، بقدر ما هي ترتبط باللحظة الراهنة التي تشهد فيها بعض الاتفاقيّات الحزبيّة الثنائيّة اهتزازات غير مسبوقة لأنها من الأساس، في مضمونها واستهدافاتها، لا تعدو كونها إتفاقيّة مصلحيّة ظرفيّة (ولو صمدت لسنوات عديدة) تراعي بالدرجة الأولى مصلحة الفريقين المباشرة ولكن من دون ربطها بالمصلحة الوطنيّة العليا، كي لا نقول إنها على طرفي نقيض مع تلك المصلحة.

إن أي تفاهم ثنائي هو حق مشروع لأي فريقين أو مكونين في إطار الحياة السياسيّة والديموقراطيّة، وهو متاح ومباح طالما أنه لا يمس بالأمن الوطني أو يهدف إلى تخريب الاستقرار. ولكن في ظل نظام تعددي كالنظام اللبناني ومجتمع شديد التنوع كالمجتمع اللبناني، فإن هذه المسارات الثنائيّة غالباً ما تكون ترمي إلى السطوة على السلطة وليس إلى إقامة مشروع الدولة المرتجاة.

إن تحالف فريقين سياسيين أساسيين يمتلكان قوة شعبيّة وقوة عسكريّة يساهم في ضرب التوازنات السياسيّة الداخليّة الدقيقة التي غالباً ما تُصان بتفاهمات وطنيّة عريضة تكون قادرة على إستيعاب المقاربات المختلفة ودمجها في رؤية وطنية موحدة. هل هذه التفاهمات تشكل جزءاً من العمل الديموقراطي الحقيقي؟ نعم، ومن قال إن التسوية بمفهومها السياسي والفلسفي العميق مناقضة للديموقراطيّة؟

شارك المقال