ههههه… “حزب إيران” وتحالفات “أوهام في أوهام”

عبدالوهاب بدرخان

منظره “طبيعي” ميشال عون وهو يقول في بكركي إن “الأزمة كبيرة، فهناك حقوقٌ كثيرة غير مصانة، وضربٌ للميثاق والدستور”. بعد خمسة أسابيع على مغادرته قصر بعبدا، استهوَل زعيم تيار العونيين أن يقوم أحدٌ سواه بضرب الميثاق والدستور. هذه مهمة محتكرة لـ “عون أو لا أحد”. هذه وسيلة يستخدمها عون ضد الآخرين، أما أن تُستخدم ضده فهذه من الكبائر، خصوصاً إذا أمكن انعقاد مجلس الوزراء وانتزاع سلاح التعطيل منه ومن صهره، حتى لو كان الهدف البتّ بمسائل ملحّة تهم اللبنانيين ولم تعد تحتمل التأجيل والإهمال.

منظره أيضاً “طبيعي” جبران باسيل وهو ينفث من بكركي سمومه المعتادة، مستغيثاً بالبطريرك بشارة الراعي الذي لطالما دأب، هو وعمّه، على تحدّيه والتقليل من خطابه ودعواته الى “إنقاذ الشرعية” وإنهاء مصادرة الرئاسة والدولة. يريد العمّ والصهر الآن أن يبادر البطريرك الى “إنقاذ”هما لأن مركب تحالفهما مع “حزب إيران/ حزب الله” يوشك أن يغرق. يستدعيان مجدّداً وتكراراً قضية “الحقوق” عنواناً لإعادة جمع المسيحيين بعدما أمعنا في تفريقهم. ويريدان استعادة “صلاحيات” لم يحسن مَن سبقهما استخدامها لتبقى حيث كانت، بل انهما لم يحسنا “عدم وجودها” ليبررا ضرورة استرجاعها.

لم يجرِ عون وباسيل أي مراجعة لكل ما ارتكباه أقله في أعوام الرئاسة الجهنمية، العقلانية والعونية نقيضان لا يلتقيان، لذا فالأفضل الاستمرار في التخبّط. لم يخرجا عن الاطار الذي حبسا نفسيهما فيه، ويعتقدان بإمكان مواصلة نهجهما كما لو أن عون لا يزال رئيساً، ليكتشفا أن ما خططا له يحتاج الى مباركة حليفهما، “حزب إيران”، وإلى سيره وراءهما وتزكية أطروحاتهما، استناداً الى أنه وقف معهما سابقاً في كثير من بهلوانياتهما الدستورية والميثاقية و”الحقوقية”، وقد اعتقدا أن “الحزب” يفعل ذلك كرمى لعيونهما لا لأنه كان ولا يزال المستفيد الوحيد من انحرافاتهما التخريبية.

كان عون وباسيل مهووسين بأنهما يبنيان “الدولة العونية” ويرسّخان أسسها، فيما كان “الحزب” يراكم المكاسب من الانهيارات التي يدفعان إليها بكلّ إصرار وتصميم: يبهدلان الدولة ويدوسان المؤسسات ويغطّيان كارثة المرفأ وتعطيل القضاء، يبرّران الاغتيالات وكل أساليب “الحزب” للترهيب، يدعمان ضرب النظام المصرفي، يقودان مسار التنازل في ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، يهشّمان العيش المشترك، يحطّمان وفاق “الطائف”، يتولّيان تقسيم المكوّن المسيحي، يهمّشان المكوّن السنّي، يشاركان في اختراق سائر الطوائف، ويرتضيان عزل لبنان وإفساد علاقاته العربية والدولية… كل ذلك من أجل الاستئثار بالسلطة. لكن كل ذلك لإرضاء “الحزب” وتجميع نقاط لديه كي تُصرف لاحقاً، بعد انتهاء الولاية العونية.

لم يتلُ عون وباسيل “فعل الندامة” كي يغفر البطريرك أخطاءهما، بل فظاعاتهما، بل جاءا يستحثّانه كي يؤازر دفاعهما المستميت عن “حقوق المسيحيين”، أي “حقوق التيار العوني” فالبطريرك مثله مثل كل لبناني آخر لمس بنفسه أن هذا قد يكون “تياراً” أما أن يكون “وطنياً” و”حُرّاً” فهذه كذبة باتت مكشوفة. فعلى أي قاعدة يُراد لبكركي أن تدعو الى لقاء أو حوار مسيحي – مسيحي، وقد لُدغت سابقاً حين تعالى البطريرك الراحل نصر الله صفير على اهانات “التيار” وقام بمحاولة لجمع أقطاب الموارنة ليكتشف أن اتفاقهم استحالة وأن “تفاهم مار مخايل” مع “حزب إيران” وارتباط البعض بالنظام السوري لا يمتّان الى الوطنية اللبنانية بأي صلة؟ فما عسى البطريرك الراعي أن يفعل إذا كانت له ولبكركي اقتناعات ورؤى لا يرى امكان الاصطفاف المسيحي حولها، وبالأخص إذا كان “التيار العوني” (الذي يعتبر نفسه الأقوى مسيحياً) يسعى الى استدراجه الى أجندته التي انفضحت أهدافها قبل رئاسة عون وخلالها وبعدها.

سيبقى في الأذهان أن “حزب إيران” هو مَن وصف تلك الأجندة العونية بأنها “أوهام في أوهام”، إذ لا ينطبق ذلك على “توضيح” الخلاف على واقعة انعقاد مجلس الوزراء وحسب، بل يصحّ تعميمه بلا مبالغة على مجمل العلاقة التي لا تزال تُوصف بـ “التحالف” بين الطرفين. صحيح أن الخلاف بينهما بلغ علنياً مستوى يستحق أكثر من شماتة الخصوم بهما، لكن الأصحّ أن التحالف و”تفاهم مار مخايل” أنجز مهمّته وبات بديهياً أن تنتهي صلاحيته، فـ “الحزب” مقتنع بذلك وكان يتوقّع “تفهّماً” من “التيار”، ويعني ذلك أن الحليف مدعوٌّ الى واقعية الرضوخ لـ “تخفيض” قيمته ودرجته بداعي التعامل مع المتغيّرات. أراد “تيار” باسيل أن يتعامل الحليفان بندّية كاملة، أي أن يبقيا حاكمين بالفعالية ذاتها، لكنه تلقى أكثر من ردّ علني وضمني بوجوب أن يقتنع بأنه لا يستطيع أن يكون رئيساً ولا رئيس ظلّ ولا أن ينصّب نفسه “حاكماً” من خلال الرئيس العتيد، فهذه كانت ولا تزال ميزات يحتكرها “الحزب” وإذا أراد تقاسمها مع باسيل فإنه سيعرقل حكمه ويقوّض مقوّمات الاحتلال الإيراني للبنان.

أظهر السجال حول انعقاد مجلس الوزراء أن “مصالح المواطنين” آخر ما يهمّ الأطراف كافة، لكنه بدا كأنه ضربة أولى مبرمجة لهيبة “التيار”، ولفتة إضافية من “الحزب” الى مَن يهمه الأمر في الداخل والخارج بأنه صاحب القرار، إذ أنه استغلّ ردّه على الانتقاد الباسيلي ليذكّر بأنه هو مَن وضع شروط التئام الحكومة وأنه هو مَن حدّد جدول الأعمال كي يناسب حليفه، ليجد أن حليفه في وادٍ آخر تتنازعه مشاعر الغضب والحرد والانفصال. كان مدعاة للسخرية أن لا يُستفزّ “الحزب” إلا لأن باسيل اتهمه بالحنث بعهده وعدم الصدق في وعوده. تناسى باسيل أن حليفه، الذي كذب ويكذب علناً على اللبنانيين جميعاً، بلغ الآن مرحلة الكذب عليه بعدما كان يكذب لتغطيته.

ثمة مخاتلة في صدد أن تفقد صلاحيتها، وهي أن العلاقة مع العونيين بُنيت على أسس “استراتيجية”، غير أنها في الواقع كانت علاقة خدمات متبادلة ولا بدّ أن تسقط متى انتفت ظروفها ومبرّراتها. الاستراتيجية يمكن أن تصحّ فقط من جانب “الحزب” الذي أوفى بوعده “الصادق” فعطّل البرلمان والدولة لإيصال عون الى الرئاسة بغية استخدامه (مع باسيل) في مشروعه الإيراني الأكبر والأشمل، والمشروع باق ومستمر، لكن الرئاسة انتهت ولم يعد عون وباسيل صالحين للاستخدام، وبالتالي فإنهما استهلكا الاستراتيجية التي اعتقدا أنها ملك دائم لهما. كانت لديهما ولـ “التيار” فرصة لكنهم جعلوها “ملكاً ضائعاً” ولا عزاء لمن يصنع الأوهام ويصدّقها.

شارك المقال