كوكب دبي: الامارات تحتضن العالم

أحمد عدنان
أحمد عدنان

“وين تبدا هالمدينة كل يوم..

من رصيفٍ عاري تحت النجوم ..

من عناوين الجريدة ..

في المواني.. وحمرة عيون المسافر ..

ضحكة الصبح الجديدة ..

آخر أوراق التذاكر ..

أو بعد حبر الختوم..”

بدر بن عبدالمحسن

لا نزال نتذكر المقولات الساذجة التي ترددت أيام الأزمة العالمية عن كون دبي لا تعدو فقاعة كشفت الأزمة هشاشتها، حتى بعد استعادتها السريعة لعافيتها الاقتصادية، هناك من لا يزال يشكك، ويزعم أنها معرضة لأزمات مماثلة، متجاهلاً ما حدث للاقتصاد العالمي بأسره، ومتجاهلاً أيضاً تجاوز دبي للأزمات واستمرار المشاريع التنموية والاقتصادية فيها بصورة أقوى من السابق.

تكرّر هذا الكلام أثناء الجائحة العالمية التي ضربت العالم وشلّت اقتصاده مطلع 2020، حين جاء كوفيد 19 وأطاح بثوابت هائلة واقتصادات لم يظن أكثر المتشائمين أنها تتزحزح يوماً عن موضعها، لكن دول الخليج – وعلى رأسها المملكة العربية السعودية – أثبتت نجاعتها وجدارتها في التعامل مع الجائحة بكفاءة، واستطاعت دبي (والإمارات) احتواء الجائحة، وتعاملت مع وقائعها وما لحق بها من تبعات، ثم واصلت مسيرها ونظّمت واحداً من أهم الأحداث العالمية “أكسبو 2020” في وقت كان العالم لا يزال يترنح من آثار الضربة المفاجئة التي عصفت باستقراره، إلا أن المنظومة التنموية في الامارات العربية المتحدة، تتفوق بقدرتها على استشراف المستقبل وتوقّع ما لا يمكن توقعه، الأمر الذي وقاها السوء والشرور، وذلك بحكمة وشجاعة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.

لا يمكن للحديث عن دبي أن يُملّ، كانت آخر زياراتي لها في عام 2017 في رحلة قصيرة عندما تذكرت أنني أضعتُ قبلها بعام – في مطار دبي ذاته – حاسوبي المحمول، وقبل أن أغادرها توجهت إلى قسم المفقودات في المطار بلا أمل في العثور عليه أو توقع استرجاعه، لكن المسؤولين هناك سلّموني في دقائق ما ظننت أنه لن يعود.

انقطعت عن دبي حتى عدت إليها في عام 2022، ومهما كان التطور الذي نشاهده عن بعد، وينقل لنا بواسطة الأصدقاء والمحبين، وما يجتهد الإعلام في مواكبته، إلا أن هذا كله لا يطابق العودة إليها، وممارسة الحياة اليومية فيها، والرجوع إلى شوارعها مصاباً بالدهشة من هذه الإمارة التي لا تكلّ ولا تئنّ في مسابقة كل جديد، والتقدّم في سباق الحداثة إنساناً وفكراً وعمراناً، كل هذا يحدث بالتوازي مع إيقاع اقتصادي متزّن، ورؤية تتنبأ بمستقبل باهر لهذه الأرض بعد 100 عام.

لا تشبه دبي موضعاً على هذه البسيطة، من يبحث عن صورة نمطية هنا سيخيب أمله، ومحدودو الأفق لن يستوعبوا هذا الإيقاع المنضبط الذي يجمع امتيازات الحياة بكل تبايانتها وتعدّد مستوياتها، ولا يمكن لحالم أن يتخيل كم يتباهى العالم العربي بهذا التعايش الكبير الذي يحظى به سكان الإمارة التي يتشارك تفاصيلها ما يربو على 200 جنسية من مختلف أصقاع الأرض لا يفرق بينهم شيء، ناعمين بمظلّة القانون وحماية الدولة التي تقوم أركانها على السماحة والانفتاح.

وأسباب نجاح دبي واضحة للعيان، مرئية لمن كان له قلب يريد أن يرى، فهي هذا المزيج المتماسك من الإدارة الناجحة للموارد، وحُسن الاستثمار في أبناء الأرض والقادمين إليها، يعمل جنباً إلى جنب مع إرادة سياسية متزنة للدولة، تراعي الجوار وتستقطب إليها العالم، وتجعل من كل بقعة فيها محطة للعقول والأفئدة، والعديد العديد مما لا يُحصى ولا يتسع لذكره المقام، مما يستحيل وقوداً لإبداع هذه الإمارة الساحرة.

لا يأتي النجاح خبط عشواء، كما أنه لا يتشكل من العدم، والذين ذاقوا طعم النجاح يدركون أن خلف لذته رؤية مبدعة لأهدافهم التي حققوها، وعملاً متقناً لا يتمهّل إلا من أجل المزيد من التخطيط الدقيق والإنجاز الواضح اللذين يعتمدان على أصحاب الكفاءات وحدهم، وينحّي الفشلة الذين لا يستطيعون مواكبة الإيقاع المنتظم لمهرجان الحصاد اليومي، وهكذا تفعل دبي كل يوم، بتحديث منظومتها القانونية وفتح الباب للكفاءات البشرية ورؤوس الأموال من مختلف أرجاء الأرض لمشاركتها قصة نجاح استثنائية في الشرق الأوسط، قصة أصبحت هدفاً للاقتداء أو هدفاً للتجاوز والسبق.

كل ما تريده تراه ماثلاً في دبي. هذه حقيقة قابلة للقياس والإثبات لا مبالغة، إذ كيف يمكن لهذه المواكب البشرية التي اختارتها للحياة وتؤمها طوال العام – عملاً أو سياحة – من ثقافات لا تكاد تتقاطع إلا في إنسانيتها، أن تكلّف نفسها مشقة المسافات وعناء الارتحال من أجل الحصول على لا شيء؟ كما لا يمكن لحكومة شغوفة بالإنجاز أن تتباهى أمام العالم بادعاءاتٍ غير حقيقية يتكشّف زيفها أمام أول زائر.

كل ما تريده حاضر في دبي، لأنها تصنع معاييرها الخاصة بفضل ابتكار نمط عالمي مختلف، يعتمد على احتواء الثقافات لا صهرها وتمييعها، وتتكئ دبي في ذلك على طموح شاهق، واستعداد دائم لتحويل الأحلام إلى واقع يمكن معايشته، وفي الوقت الذي يُشاهد العالم مذهولاً هذا الواقع الخيالي، يكون صانعو النجاح منهمكين بالإعداد لمفاجأة جديدة، إذ تحول صانع القرار من حالة الاكتفاء بالإنجاز، إلى قلق تحقيق المزيد من الإنجاز، والكيفية التي يقدمه بها، بعيداً عن منافسة أحد إلا نفسه، وإن كانت أميركا قد أذهلت البشرية في قرنين، محوّلة أرضها إلى حلم، فإن حلماً جديداً نما ولاح في خيال العالم، مجتذباً بسحره سكان الأرض نحو هذه القطعة اللامعة والدافئة فوق رمال الخليج.

كل ما لم تتخيله، وما لا تصدّق أنه سيحدث، ستسمع أن دبي قامت به يوماً، وتلك أيضاً حقيقة لا تحتاج إلا الى المزيد من الوقت لإثباتها، وأغلب دول الخليج في هذا المسار، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

شارك المقال