ما بين العاقبية ورميش… سلاح “مرشد” في خدمة الفتنة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يحاول “حزب الله” كعادته “خلط شعبان برمضان”، علّه ينجو من الحصار ويبرئ نفسه من مسؤولية الاعتداء على القوات الدولية في العاقبية، فيهرب الى الأمام بإثارة حدث جديد حتى يحرف الأنظار ويوتر الأجواء الى حد الايحاء باندلاع حرب أهلية جديدة، وهو ما حصل من خلال تحرك جمعيته المرخصة “أخضر بلا حدود” العاملة في القرى الحدودية تحت عنوان الاهتمام بشؤون البيئة، فيما تأكد أكثر من مرة أنها مجرد جمعية في خدمة أمن “حزب الله” لها مهام محددة تارة انارة خطوط التماس مع اسرائيل، وتارة أخرى حفر أنفاق تصل الى الأراضي الفلسطينية المحتلة اكتشفتها “اليونيفيل”، وطوراً الاعتداء على أملاك وأراضي أهالي رميش وعين ابل والقليعة وغيرها من القرى التي تقع شمال الليطاني وتخضع للقرار 1701، من عناصر هذه الجمعية الذين يحملون السلاح وفي مراكزهم أسلحة وذخائر وفق ما يقول سكان المنطقة، وهي بالتالي جمعية وهمية لتغطية نشاط “حزب الله” العسكري الممنوع في هذه المنطقة وفقاً لقرارات دولية.

يعتقد “حزب الله” أنه يتذاكى على اللبنانيين فيهرب الى الأمام، فبعدما روّج بأن ما جرى في بلدة العاقبية من صنع “الأهالي”، حرّك جمعيته “البيئية” لتقوم بجرف ممتلكات وأراضٍ تابعة لأهالي بلدة رميش الحدودية من دون حسيب أو رقيب، فمؤسسات الدولة مغيّبة عن هذه المنطقة ومن يعمل منها لا يستطيع أن يتجاوز مشيئة الحزب بل يخضع لارادته مجبراً في معظم الحالات.

ما جرى يوم السبت الماضي في رميش ليس حدثاً مستجداً فهو تكرار لتجارب سابقة في التعديات على أراضي الناس، وتتضمن استفزازاً مضمراً لاثارة النعرات وتوجيه الاتهام الى قوى سياسية تواجه “حزب الله”، والخطير في الأمر أن الأجهزة الأمنية لا تقوم بواجبها في “ضبط العناصر الغريبة عن البلدة ووضع حد لكل التعديات فيشعر أهالي رميش أنهم ينتمون إلى دولة تحميهم”، كما قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في عظته يوم الأحد، في إشارة واضحة إلى تعديات عناصر “حزب الله” المنضوين تحت جمعية “أخضر بلا حدود” على بعض العقارات الحدودية العائدة لأهالي رميش والتخييم بالقوة فيها بحجة الدواعي الأمنية والاستراتيجية التي تحتّم وجودهم في المنطقة المحاذية للحدود.

وقد ساد التوتر بلدة رميش جراء قيام هذه الجمعية بجرف مساحات واسعة من الأراضي واقتلاع أشجار وبناء إنشاءات، باستخدام معدات ثقيلة للحفر في أحراج تعود ملكيتها لأهالي البلدة في منطقة قطمون، سموخية وجباب العرب، من دون إذنهم. وهذه المنطقة تقع في النطاق العقاري لرميش، عند حدود بلدة عيتا الشعب المحاذية للحدود اللبنانية – الفلسطينية، ولم تخضع للتحديد العقاري إلى الآن.

وعبّر الأهالي عن غضبهم واعتراضهم لأن ما جرى كان على مرأى ومسمع من الجيش اللبناني الذي يعمل في منطقة خاضعة للقرار ١٧٠١. وطالبوا بوضع حد لكل الممارسات والتعديات التي تسيء الى العيش المشترك وعدم ترك الأمور للمزيد من التفاقم.

وهذه الاعتداءات ليست الأولى، فمنذ حوالي خمسة أشهر قام عناصر الجمعية نفسها بقطع الأشجار في أحراج البلدة مما أدى الى توتر الأجواء وحصول سجال سياسي بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية” وجرت لملمة الحادثة.

ووقّع أكثر من عشرين شخصاً من عائلتي العميل والحاج في رميش، عريضة إلى البلدية، يطالبون فيها بوقف أعمال التجريف والسماح لورثة هذه العقارات المكسوة بأشجار السنديان المعمرة بالوصول إلى عقاراتهم، وإزالة كل المنشآت من المنطقة. وكان الورثة، الذين يتسلحون بحجج وسندات قديمة تعود إلى عشرات السنين، فوجئوا بقيام عناصر الحزب بالتعدي على عقاراتهم، مؤكدين أن بعضاً منها كان سبق للعدو الاسرائيلي أن زرعها بالألغام الكثيرة، مما حرم أصحابها من استثمارها لفترة طويلة من الزمن، إلى أن قام الجيش اللبناني بالتعاون مع المنظمات الدولية بنزع هذه الألغام منها.

وعلى الأثر، قامت البلدية باتصالات مع سرية صور في قوى الأمن الداخلي، ومديرية مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب، لوقف الأعمال والتعديات.

إعلام “حزب الله” كالعادة اتهم “القوات” بمحاولة جر الأمور نحو الفتنة عبر التحريض على إثارة المشكلات بين البلدة ومحيطها تحت عنوان “الاعتداء على الملكيات”، ولم يسلم رئيس البلدية ميلاد العلم من الانتقادات كونه يتابع القضية.

وبرّر الحزب قيام جمعيته بقص الأشجار بأن المهربين يستخدمونها لنقل المخدرات وأمور أخرى بين جانبي الحدود، وكأنه هو العفيف النظيف لا يستبيح حدود لبنان والدول العربية لتهريب “الكبتاغون”! كما أشار الى أن العدو الاسرائيلي استخدم هذه النقاط “الرخوة” لتنفيذ عمليات استطلاع داخل الأراضي اللبنانية، وقام بعملية تجريف واسعة قبل أن تهدده “المقاومة”، التي رعت فعلياً مفاوضات الترسيم الحدودية البحرية وتخلت عن الخط 29 وقبلت بتقديمه هدية اليه.

وركب إعلام الحزب أذن الجرة كما يريد، ليروّج بأن عائلات من أصول فلسطينية من بلدة المنصوري تدّعي ملكية مساحات واسعة من الأرض هناك، إضافة إلى أراضٍ تعود لأبناء رميش وهي موضع نزاع على الحصص نتيجة وجود مئات الورثة.

ووجه أصابع الاتهام الى “القوات” بتحريك عدد من أبناء رميش ليقصدوا أراضيهم فوصلوا الى نقطة تمركز الجمعية، للتأكد من ملكيتهم للأرض، بحيث استغل عناصر “القوات” السجال ونظّموا احتجاجاً وأحرقوا خيمة يستخدمها أعضاء الجمعية، وشنوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد “الايراني”.

حجة “حزب الله” وإظهار نفسه مظلوماً وجمعيته لا يقنعان أحداً، فهو محشور بعد اعتداء العاقبية الذي لن يتم السكوت عنه، اذ أن القضية لا تحل بقرار داخلي وبتغطية من الحلفاء المحليين بل هي قضية ترسم حدودها في دول كبرى وبقرارات تتخذ في الأمم المتحدة والتحقيقات فيها لا يمكن أن تكون عابرة للعدالة، والكل يعرف أن “حزب الله” يعمل تحت مسميات عديدة “أخضر بلا حدود”، “سرايا المقاومة”، “الأهالي”، وهي مجرد عناصر مسلحة ومدربة على القيام بمهام لفرض هيمنة الحزب وسلطته واستكباره وسطوته على اللبنانيين وقرارهم.

واليوم، ها هو “حزب الله” الذي سرق المقاومة وودائع الناس وجنى عمرها من المصارف، والذي قتل وهجر واغتال وأحرق لبنان واعتدى على القوات الدولية ونشط في تدريب الميليشيات في دول عربية لتخريب أمنها الوطني، يسرق الأراضي في بلدات مسيحية على الحدود مع اسرائيل بما يثير النعرات والفتنة كما فعل في بلدة لاسا في جبيل سابقاً، الأمر الذي لم يحل حتى اليوم وبينها عقارات تعود ملكيتها للكنيسة. كما أنه يشتري أراضي في مناطق خارج البيئة التي يدّعي تمثيلها ويبني عليها عقارات تستخدم لتخبئة السلاح غير الشرعي الذي يتباهى بملكيته، واستخدمه هنا وهناك لاثارة الفتن الأهلية المتنقلة في المناطق اللبنانية، بما يخدم توجهات مرشده وينفع في بسط سلطة الأمر الواقع.

شارك المقال