انفراج أم انفجار؟

صلاح تقي الدين

تتضارب المؤشرات التي أعقبت الشغور الرئاسي بين ما يوحي بأن الانفجار الكبير أصبح على الأبواب، وبين ما يوحي بأن الاهتمام العالمي بلبنان قد يحلحل العقد التي منعت القوى السياسية من التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

فمع الصعود الصاروخي لسعر الدولار في السوق الموازية وما يتبعه من ارتفاع عشوائي في أسعار المواد الاستهلاكية، أصبحت صرخات المواطنين الذين باتوا عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من مقومات صمودهم تنبئ بأن الانفجار الاجتماعي أصبح على الأبواب، خصوصاً وأن مؤشرات هذا الانفجار تلوح من خلال ارتفاع نسبة السرقات النهارية والليلية وصولاً إلى حوادث الخطف مقابل فدية، وجميع هذه الحوادث تقع تحت خانة “الحاجة” وفقاً لما يظهر من التحقيقات مع الذين يلقى القبض عليهم، هذا إن تمكنت القوى الأمنية من توقيف الفاعلين.

والوضع الأمني المتفلت، تصبغه حوادث أمنية أخرى ذات أبعاد ومدلولات خطيرة كحادثة الكمين الذي تعرضت له دورية من قوات الطوارئ الدولية في بلدة العاقبية الجنوبية وأدى إلى مقتل جندي ايرلندي منها، وهذه رسالة لها أبعاد خطيرة لا تلغي مفاعيلها بيانات الاستنكار أو “الاحالة” على “العناصر الأهلية” التي نفّذت الكمين. كما لا يمكن التقليل من خطورة الوضع الذي شهدته أيضاً بلدة رميش الحدودية من تعدٍ صارخ على أملاك المواطنين “المسيحيين” فيها من عناصر جمعية “أخضر بلا حدود” التابعة لـ “حزب الله” في استعادة للحوادث التي شهدتها بلدة لاسا الجبيلية ولم تنتهِ ذيولها بعد.

وهذه الحوادث دفعت العديد من المعلقين السياسيين إلى وصفها بأنها مؤشرات خطيرة تدل على أن الحرب الأهلية أصبحت على الأبواب وأن اندلاعها ليس بعيداً، خصوصاً وأن الحاجة “المادية” للمواطنين قد تدفعهم للجوء إلى السلاح سواء لتوفير “الحماية الذاتية” أو تلبية لطلبات قوى “خارجية” تريد صب الزيت على النار وإدخال البلاد في الفوضى العارمة التي قد تنهي جميع مقومات الدولة وتعيد عقارب الساعة 47 عاماً الى الوراء.

في المقابل، تبدو حكومة تصريف الأعمال منشغلة بالخلافات السياسية التي تدور بين أعضائها المدعومين من قوى التعطيل المعروفة، والتي تغرق في التفسيرات والاجتهادات الدائرة حول أحقية رئيسها في الدعوة إلى عقد جلسات حكومية في ظل الشغور الرئاسي وما يتبعها من تفسيرات “طائفية” تلوذ إليها هذه القوى في محاولات شعبوية لتصوير رئيس الحكومة “السني” بأنه يتعدّى على صلاحيات الرئيس “الماروني” غير الموجود أصلاً.

ولم يوفّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مناسبة إلا وأعلى الصوت وأطلق صرخات الدعوة إلى التوافق من أجل إنقاذ المركب اللبناني من الغرق والذي يحمل جميع اللبنانيين وليس فئة منهم دون أخرى، واصفاً العمل الذي يقوم به بأنه “صيانة مبنى مترهل” خشية انهياره بالكامل، كما أعلن خلال استقباله مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية، وعلى الرغم من تصويره الحقائق المؤلمة للوضع الذي تمر به البلاد، إلا أنه لا يزال يحمل مقداراً من الأمل بإمكان عبور هذه المرحلة الخطيرة شرط توافق اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل حكومة جديدة لكي ينتظم عمل المؤسسات الدستورية وهو الحل السريع لمحاولة النهوض مجدداً.

والخلاف على هوية الرئيس العتيد للجمهورية ومواصفاته تبدو حالياً كأنها تدور بين القوى المسيحية تحديداً من دون القوى السياسية الأخرى، فـ”حزب الله” الذي لم يطرح اسماً يدعمه للوصول إلى بعبدا على الرغم من أن كل المؤشرات توحي بدعمه رئيس تيار “المردة” النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، إلا أنه لم “يتجرأ” لغاية اليوم على طرحه “رسمياً” بدليل استمراره في التصويت مع حلفائه بورقة بيضاء لكي لا يقال إنه يحاول “فرض” الرئيس الماروني الذي يريده، خشية تكرار “المصيبة” التي أوقع البلد فيها من خلال عدم تراجعه عن دعم الرئيس السابق ميشال عون وما نتج عن هذا الدعم من ويلات أوصلت البلاد إلى جهنم.

وما يصح على “حزب الله” يصحّ أيضاً على رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي لا يريد تحمّل مسؤولية طرح اسم معين ودعمه للأسباب نفسها، تاركاً الأمر في عهدة القوى المسيحية للتوافق على اسم يسير به، وكذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تملكه اليأس من إمكان التوافق سريعاً حول اسم الرئيس العتيد فأسقط محاولاته ودعواته للحوار نتيجة رفض القوى المسيحية تحديداً لهذا الحوار.

المشكلة هي إذاً بين القوى المسيحية فرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يرفض البحث في اسم فرنجية، كما يرفضه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل وهو من الداعمين لوصول النائب ميشال معوض ويرفض وصول باسيل أو فرنجية، كما أن اسم باسيل مرفوض من جعجع وفرنجية والجميل، ويبقى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي هو القادر على جمع المسيحيين للحوار حول اسم مرشح مقبول منهم جميعاً، غير أن دعوته الى جمع الزعماء الموارنة في بكركي لم تلقَ تجاوباً.

وغياب التوافق الداخلي وتحديداً المسيحي حول مرشح للرئاسة، يجعل المشكلة تحديداً لدى المسيحيين وهم إلى جانب باقي القوى السياسية على ما يبدو بانتظار التوافق الاقليمي والدولي الذي سيفرض عليهم وعلى باقي الفرقاء السياسيين مرشحاً للرئاسة يصل إلى بعبدا بقبولهم أم بعدمه، لكنهم سيتوجهون إلى المجلس النيابي لانتخاب المتوافق عليه كأمر واقع مفروض.

وبين هذا الاحتمال الذي قد يضع لبنان على سكة الخلاص، وبين الانفجار الاجتماعي المتوقع، سباق يأمل اللبنانيون في أن ينتهي لصالح الاستقرار الذي ينشدونه وإلا فعلى الدنيا السلام.

شارك المقال