عيسى بن مريم مدرسة اللاعنف

السيد محمد علي الحسيني

يحتفل العالم هذه الأيام بذكرى ميلاد المسيح عليه السلام، وبهذه المناسبة يطيب لنا التأمل والتدبر في جانب من جوانب سيرة النبي عيسى عليه السلام، وهي امتداد لخط الأنبياء الذين جاؤوا برسالة مشكاتها واحدة تدعو الى السلام والتسامح، وتنهى عن العنف والقتل والاعتداء “لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين”، ومن هنا سنضيء على قيم التسامح التي تجسدت في سلوك نبي الله عيسى وأخلاقه التي كانت بعيدة كل البعد عن كل مظاهر العنف والاستبداد والتطرف.

التسامح في أخلاق المسيح عليه السلام

لا شك في أن الظروف والحقبة التي ولد فيها المسيح عليه السلام كانت حبلى بالتحديات، ولا ريب أن السيدة مريم عليها السلام عندما حملت به انتبذت به مكاناً قصياً خوفاً عليه من قومها، وشاء الله تعالى أن يولد روحه وكلمته ليكون آية لبني إسرائيل وللعالمين من المهد إلى أن رفعه تعالى إليه، وحباه الله بالمعجزات وكان متسامحاً ونموذجاً للمسالمة على الرغم من الظلم الذي تعرض له، لكنه كان دائماً حريصاً على نشر قيم المحبة والتعايش والمغفرة، وهو الذي عرف بمقولته الشهيرة “حينما يؤذيك أحدهم لا تقابل الشر بمثله، بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً”، وهي مقوله في قمة السمو وتعكس أخلاقاً عظيمة ترسخ قيم العفو والتسامح بين البشر، ومن المهم التأكيد على أن هذه الأخلاق ليست فيها مبالغة، لكنها تعمل على تعميق الشعور بالسلام الداخلي الذي ينعكس على محيطنا، ومن مواعظ الله تعالى لعيسى قوله: “يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام وتفشي السلام يقظان إذا نامت عيون الأنام”، كما أن الله دعا نبيه عيسى للرفق بالضعيف: “يا عيسى ارفق بالضعيف، وارفع طرفك الكليل إلى السماء”، بل أوصاه بأهمية أن يكون رحيماً على خلقه “يا عيسى كن رحيماً مترحماً، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك”.

مدرسة المسيح عليه السلام تواجه العنف والتطرف

كثيرة تلك القصص التي رويت عن سيدنا المسيح عليه السلام التي حارب فيها مظاهر العنف والتطرف، ومن أجمل القصص التي تركت فينا أثراً جميلاً ولمست العمق الإنساني فينا، وجاء في الأثر أن امرأة وقعت في الزني التفت إليها الناس ونظروا إليها نظرة حانقة وباشمئزاز، فلما رأى عيسى هذه النظرة العلوية منهم، قال لهم منتقداً فعلهم: “من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر” وهنا لم يتحرك أحد من مكانه.

ومن المؤكد أن هذه الحادثة تؤكد أن سيدنا عيسى عليه السلام منع القوم من التعرض للمرأة بالعنف بطريقة مسالمة وحاججهم بأسلوب جعل الجميع يخجلون من أنفسهم.

وفي الختام، لا ننسى أن كل وصايا روح الله وكلمته تدعو إلى المحبة والسلام وترسخ قيم التسامح والعفو والحلم، كما دعا عليه السلام إلى الأخوة والمساواة والتكافل والتضامن وهو القائل: “من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده”.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال