“ماستر سين” فلسطيني

زاهر أبو حمدة

لم ينته عام 2022، أو أنه لا يمكن أن ينتهي. العام في الأصل هو دورة لأيام نحصرها بـ365 يوماً. الأشهر الـ12 الماضية يمكن تأريخها لتكون “فك الحبكة” أو “الماستر سين” للحكاية الفلسطينية. لكل قصة أو فيلم مشهد مهم يطلق عليه Master Seen، وقد يحتوي العمل أكثر من مشهد من هذا النوع. “الماستر سين” في لغة أهل الفن هو أعلى مشهد في العمل من الناحية الفنية، فمن الممكن نسيان تفاصيل العمل، ولكن لا يمكن أن تنسى هذا المشهد بحيث يلخص الأحداث في لقطة ومن خلالها تبدأ أحداث نهاية الفيلم. خلال العام كان “الماستر سين” اعلان نهاية حقبة وبداية أخرى، ليس لأن شبابنا أسسوا “كتيبة جنين” و”عرين الأسود” وغيرهما، أو لأن الاشتباك توسع وكبر. “الماستر سين” هو الشهداء. لكل منهم قصته المؤثرة. تذكرون الطفل ريان سليمان كيف خاف؟ أو كيف تقدمت شيرين أبو عاقلة من دون جزع؟ تذكرون كيف أرسل إبراهيم النابلسي تلك الرسالة قبل نفاذ ذخيرته؟ أو كيف أخذوا فاروق سلامة غيلة؟ هذه ليست أيام عادية. فأيام عدي التميمي في شعفاط، رعد خازم في ديزنغوف، ضياء حمارشة في بني براك، إبراهيم وأيمن اغبارية في الخضيرة، محمد أبو القيعان في بئر السبع، محمد الجعبري في كريات أربع، وإسلام فروخ في العاصمة؛ كلها تدوّن موقفاً واحداً: لنتقدم.

“الماستر سين” في فلسطين شبه يومي لكن ما حصل في العام المنتهي يؤسس لتحرير البلاد. ربما ذلك مبالغة في عين البعض، لكن اكتمال شروط الحرية تبدو اكتملت، وأهم شرط هو الوعي. ارتفع منسوب الوعي عند الشعب، وقصص الشهداء والأسرى أبرزت ذلك. فالحكاية الشعبية لا يمكن روايتها من دون تفاصيل أبطالها. هكذا تتكلل عائلة الزبيدي من دون “أسطرة” بعرش المواجهة المستمرة، وتتنافس مع عائلة أبو حميد على درة المفخرة وتضاف إليهما عائلة خازم. ومن بقي منهم على قيد الحياة يتحول إلى رمز شعبي غير شعبوي، ولنا بزكريا وأم ناصر وأبو رعد خير نموذج وأفضل رمز. ولأن كل قصة شهيد فيها معالم لا يمكن معرفتها إلا بالتفكير الكثيف والتمحيص المقرب، أجد نفسي مبهوراً بقصتين: الأولى هي استشهاد الطبيب عبد الله أبو تين. والثانية استشهاد الأخوين جواد وظافر الريماوي. فأبو تين كان يترك عيادته وعائلته ليس ليطبب الجرحى إنما ليخطط ويواجه. أما ظافر وجواد فكانت الجامعة ممراً اجبارياً للتحشيد والتأسيس والتشبيك من أجل الاشتباك. وفي حياتهم تفاصيل يجب روايتها يوماً في أفلام سينمائية وتوثيقية. وكذلك حكايات وديع الحوح وتامر كيلاني وغيرهما من الأبطال المطاردين فلهم في عنق الشعب الفلسطيني ثأر وواجب. هؤلاء الأبرار مهدوا طريقاً ووجهوا البوصلة نحو الهدف الحقيقي والصحيح.

وإذا كان “الماستر سين” في عام 2022، فالعام المقبل سيكون بداية نهاية الاحتلال فالرواية الفلسطينية لا تُغلق مع استشهاد ابطالها، والبطل الحقيقي هو الشعب المستمر بالقتال. ولطالما أراد الاحتلال إنهاء القضية واغلاق الملف واطفاء الجمر، فيجد أنه لا يعرف هذا الشعب على الرغم من كل محاولات التدجين والتأطير والتقسيم والترهيب والترغيب.

شارك المقال