خطاب نصر الله: مرتا مرتا

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

بعد شائعات تناولت وضعه الصحي وتأجيل خطابه أياماً وإنشغال الاعلام بفك طلاسم مرضه ما بين الانفلونزا وكورونا والقلب، ظهر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ليطمئن الجميع على صحته ويعتذر لأنه شغل بال جمهور المحبين، معلناً أنه مصاب بحساسية هي سبب تجرّح صوته. ولا شك في أن البروباغندا المضخمة من السبت إلى الثلاثاء حول وضعه ومصير “حزب الله” من بعده، هي لاستقطاب جمهور سئم من الخطابات والكلام المكرر ولم يعد يصدق ما يقوله الأمين العام، وسقوط هالة “حزب الله” وانكشاف تبعيته بالكامل لايران والمقاومة الكاذبة كحجة لحماية سلاح غير شرعي بيد ميليشيا تنفذ مخططات دولة أجنبية.

مناسبة الخطاب هي الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال قائد الحرس الثوري السابق قاسم سليماني، وبالطبع هنا لا بد من تمجيد الرجل الذي زرع ميليشياته الارهابية في الدول العربية، بحجة محاربة الشيطان الأكبر وتحرير فلسطين الذي تطلب احتلالاً ايرانياً لأربع دول عربية من أجل تركيب ما سمي “محور المقاومة”.

جاء تحذير نصر الله إلى حكومة بنيامين نتنياهو، التي وصفها بحكومة “الخوت والمجانين والمتطرفين والمجرمين”، معلناً عدم السماح بأي تغيير في قواعد الاشتباك والردع، والتمسك بحق لبنان في استخراج النفط والغاز بموجب اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل المبارك من الولايات المتحدة.

لكن اللافت هنا أن نصر الله خسر جزءاً كبيراً من شعبيته حتى داخل بيئته الحاضنة، لا سيما بعد تغطيته صفقة الترسيم – الفضيحة التي تنازل فيها لبنان عن حقه في الخط 29 واستفادة اسرائيل من ثرواتها، فعن أي مقاومة وقواعد اشتباك يتحدث؟ هل بارسال طائرة مسيرة ايرانية “تتغندر” فوق “كاريش” وماذا يفيد ذلك؟ أو في استعراض الصواريخ في عروض عسكرية، أو في تصنيع الكبتاغون “المقاوم” وتهريبه الى الدول العربية؟ لا شك في أن مثل هذا الخطاب لا يشكل تهديداً لاسرائيل بقدر ما يعزز غرورها كونها نالت وتنال ما تبتغيه، وبالطبع لن يستعيد نصر الله شعبيته عن طريق إظهار نفسه أنه عدو للصهاينة وقادر على إخافتهم، فعرض العضلات ورفع الاصبع والتهديدات الفارغة لم تعد تمر على أحد، وبالتالي مصداقيته في طور التلاشي.

وفي موضوع الفراغ الرئاسي، كرر نصر الله الموقف الفارغ بعدم القبول برئيس يطعن المقاومة في ظهرها ويتآمر ضدها، ويدّعي بأن من يفعل ذلك يريد أخذ البلد إلى حرب أهلية، أي ببساطة هو يهدد اللبنانيين بحرب أهلية و7 أيار جديد وبالقمصان السود ويرهبهم لأن السلاح بيده، ويكيل الاتهامات وكأن مقاومة الاحتلال الاسرائيلي هي مهمة خاصة، علماً أن هذه المقاومة التي سميت اسلامية انتهى دورها وتكشفت مهمتها الحقيقية في فرض هيمنة ايران ووضع لبنان تحت وصاية المرشد، فعلى من يقرع مزامير هذه المقاومة؟ وهل اللبنانيون الذين قاوموا من أحزاب مختلفة وخُوّنوا وبعضهم اغتيل بواسطة بندقية مأجورة سيصدقون اليوم أن هدف نصر الله فعلياً هدف سامٍ لبناني، وليس هدفاً لتحقيق مصالح دولة خارجية، وهو الذي اعترف بأنه يموّل منها ويأكل ويشرب من دولاراتها؟

ثم لماذا يبقي نصر الله على الفراغ؟ فلينتخب الرئيس بطرق ديموقراطية اذا كان خائفاً على البلد وعلى سلمه الأهلي، وليتفق مع اللبنانيين من دون ارهابهم ويضع سلاحه بأمرة الجيش اللبناني والشرعية اللبنانية، وليرفع وصايته عن البلد ويحترم الدستور والقوانين ويسلم المتهمين من حزبه بارتكاب جرائم الاغتيال وغيرها.

ونصر الله عندما لا يعجب بأي من المرشحين ولا يرضى الا بمرشح مثل ميشال عون أو اميل لحود، يعلن ببساطة أنه ضد العملية الديموقراطية ويريد إخضاع الفرقاء اللبنانيين الآخرين لمنطق القوة والتسلط الذي يمارسه حزبه، فهو يعتبر أن كل من لا يقبل بسلاحه ويريد دولة بسلاح واحد وجيش واحد، خائن وعميل صهيوني.

لا أحد من اللبنانيين يرغب في حدوث أي ضرر أو أذية للحزب ومقاومته وأبناء بيئته، ولكنهم يرفضون وضعهم في قفص الاتهام وخنقهم في عبادة الشخص وتقديس السلاح وحماية الفساد والفلتان والاجرام. هم يريدون أن يكونوا مواطنين لبنانيين لا يدينون بولاء لدولة خارجية، وبالطبع سيكونون من المقاتلين على الجبهات لحماية بلدهم من أي عدوان اسرائيلي محتمل، ولا يرغبون في علاقات متوترة مع الدول العربية ولا تهديد أمنها، بل الانفتاح عليها والافادة من إمكاناتها في دعم لبنان ومساعدته على النهوض.

المطلوب من نصر الله أن يستمع الى غيره وليس إلى نفسه وحسب، فلا أحد يتآمر عليه ولا على حزبه ومقاومته إن كانت أهدافها وطنية لبنانية، واللبنانيون ليسوا خونة وإن كانت هناك قلة باعت نفسها، بل حزبه هو الذي ربط نفسه بمصالح ايران وطوّع نفسه في خدمتها ومن وضع لبنان في آتون جهنم وجاء بمن يحرقه في نارها.

وتطرق خطاب نصر الله الى العلاقة بين حزبه و”التيار الوطني الحر”، موجهاً رسائل الى رئيسه جبران باسيل بأن لا أحد يجبرك على العلاقة معنا، على الرغم من تمرير رسالة تفيد بالسعي الى حل الخلافات بعد تلويح باسيل بفك التحالف.

ويظهر واضحاً أن نصر الله في كل خطاباته يزايد على الجميع ويضرب ويخبط هنا وهناك، مطلقاً رسائل مكررة مما يؤكد القول: “مرتا، مَرْتا، إِنَّكِ تَهْتَمِّينَ بِأُمُورٍ كَثِيرَة، وَتَضْطَرِبِين إِنَّمَا ٱلمَطْلُوبُ وَاحِد”.

شارك المقال