أين السلطة القضائيّة المستقلة؟

رامي الريّس

عودة القضاة إلى مراكز عملهم بعد اعتكاف دام نحو خمسة أشهر إنما هو خطوة مهمة للحد من التراجع الشديد الذي تشهده البلاد على مختلف المستويات، ومنها إرتفاع معدلات الجريمة وترويج المخدرات والاتجار بها والسرقات وسوى ذلك العديد من الأعمال الجرميّة التي باتت تتصدّر المشهد اليومي اللبناني بمآسيه ومآلاته الحزينة.

يحق للقضاة بمراكز عمل لائقة لا تراعي توفير مناخات العمل المؤاتية لهم فحسب، بل تعكس أيضاً صورة القضاء وهيبته. كما يحق لهم برواتب مقبولة يتمكنون من خلالها من العيش بكرامة والابتعاد عن البحث عن مداخيل أخرى يصعب توفيرها بحكم دورهم وموقعهم ووظيفتهم ورسالتهم.

وعلى أهميّة هذه الخطوة المنتظرة منذ أشهر، لا يمكن إغفال مسألة رئيسة وهي أن القضاء في لبنان لم يرقَ إلى المستوى الذي يتيح له أن يكون سلطة مستقلة لها قوانينها التنظيمية وأصولها وتقاليدها وقدرتها على تحقيق التوازن المطلوب مع السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة وفق ما ينص عليه الدستور اللبناني.

لقد عطّل رئيس الجمهوريّة السابق العماد ميشال عون التشكيلات القضائيّة لشهور طويلة إلى أن انقضى عهده (الحمدلله على ذلك) من دون إصدارها لأنه بكل بساطة لم يكن موافقاً على بعض التشكيلات، بمعنى آخر لم يكن راضياً على “حصته” من عمليّة المحاصصة التي كان يعتمدها ويغذيها في كل التعيينات. لم يتصرّف عون يوماً على أنه رئيس للجمهوريّة أو للبنانيين جميعاً، بل واصل سياسة الدخول في اليوميات التي كان من المفترض أن يكون مترفعاً عنها بحكم موقعه الوطني.

المهم أن عدم قيام السلطة القضائيّة المستقلة يعني قصور النظام الديموقراطي عن التطبيق الدقيق للبند الدستوري الذي يتحدث عن “تعاون السلطات وتوازنها”، بحيث تحافظ كل منها على إستقلاليتها (أو بالتعبير الرائج أن تكون كل منها “سيّدة نفسها”)، وتتعاون ضمن حدود الصلاحيّات المنصوص عنها مع السلطات الأخرى.

صحيحٌ أن “الديموقراطيّة اللبنانيّة” متعثرة وتعاني من الطائفيّة والمذهبيّة، ولكن الصحيح أيضاً أن مغامرات استبدالها بأي نظام آخر، وفي هذه اللحظة السياسيّة بالذات، يعرّضها للسقوط، وفي هذا الأمر مخاطر كبرى على كل المستويات.

على أمل أن تكون عودة القضاة إلى عملهم فاتحة خير، وتتوّج هذه المسارات بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة من دون هدر المزيد من الوقت وتكبيد اللبنانيين أجمعين المزيد من الخسائر!.

شارك المقال