“حزب الله” يملأ الفراغ… سعياً لقلب التوازنات!

زياد سامي عيتاني

ما رحّله العام المنصرم من أزمات ملتهبة، ومتعددة الأبعاد الى العام الحالي، ينذر بما سيحمله من تداعيات مؤلمة وصعبة على لبنان واللبنانيين، في ظل الجنون السياسي المستشري، الذي لم يشهد البلد مثيلاً له، حتى في ذروات الحروب المتنقلة والمتتابعة التي شهدها قبل أن يوقفها اتفاق “الطائف”!.

اللبنانيون الذي كانوا يأملون في أن يودعوا عامهم الماضي “الجهنمي” وقد انتهى بالشغور الرئاسي، إذا بهم يستقبلون العام الجديد ونيران جهنم الملتهبة تلاحقهم، مع تزايد الأزمات السياسية الناجمة عن الفراغ الرئاسي، والاختلاف الدستوري على حكومة تصريف الأعمال، وتعطيل مجلس النواب، والشلل التّام في كلّ مؤسسات الدولة وإداراتها، ما عدا الجيش والأجهزة الأمنية، الذين لا يزالون يعملون على الرغم من غياب الغطاء السياسي، وإنعدام الامكانات.

فجميع الأطراف المأزومة والفاقدة لأيّ مبادرة، تثأر من بعضها البعض، وتخوض معارك تصفية حسابات سياسية، بغض النظر عن التكاليف، في ظل تسارع الانهيار الشامل، واحتضار ما تبقى من مفهوم الدولة، التي باتت من وجهة نظر الخارج (العربي والدولي) دولة غير مفيدة (فاشلة)، مما جعل هذا الخارج يسقط لبنان من حساباته (عرضنا الأسباب في مقالة سابقة)، ويبقيه معلقاً على لائحة الإنتظار والإنهيار، إلى أن تتمكن عواصم القرار من إبرام تسويات كبرى بينها، بشأن مختلف الأزمات والصراعات الساخنة في المنطقة، ما زالت ظروفها بعيدة المنال.

وإزاء الحلول المستحيلة على الصعيد اللبناني، وفي ظل الفراغ السائد والمرشح للإطالة، مع غياب أيّ مبادرات جدّيّة داخليّة وخارجيّة، لإنتاج توافق على رئيس للجمهورية، يعقبه تشكيل الحكومة، فإنّ “حزب الله” الذي يمتلك مشروعاً يعمل على تنفيذه بنفس طويل، (على طريقة حفر البئر بالإبرة) هو الطرف الوحيد المستفيد من هذا الفراغ الدستوري، للمضي حتى النهاية في معركته بفرض مرشحه لرئاسة الجمهورية، وتشكيل حكومة تراعي قواعد اللعبة التي يسعى إلى تغييرها، بما يتلاءم مع مشروعه الهادف إلى شرعنة هيمنته على الدولة ومؤسساتها ومصادرته القرار السيادي، لإلحاق لبنان نهائياً بالمحور الإيراني – الفارسي.

في ضوء هذا الواقع، وفي حال لم تتبلور ظروف دولية وإقليمية مغايرة لما هو قائم من شأنها تغيير مسار الأحداث والتطورات، وإنتاج تسوية لبنانية متوازنة، فإنّ ثمة تخوف كبير، بسبب الإنهيار على الصعد كافة، وانعدام قدرة اللبنانيين على تحمّل تبعات الكوارث الإقتصادية والإجتماعية، من أن يخضع الفرقاء اللبنانيون لشروط “حزب الله” والقبول بمن سيفرضه لرئاسة الجمهورية وبالتالي لرئاسة الحكومة، على غرار التسوية التي أوصلت ميشال عون الى الرئاسة.

عندها سيفرض الحزب على العهد الجديد، الدعوة الى إجراء حوار وطني غير متكافئ، كبديل “ملطف” عن المؤتمر التأسيسي، يفضي إلى تغيير المعادلة الوطنية وأسس النظام ومرتكزاته، من خلال المطالبة بإعادة النظر بالتوازنات والأحجام السياسية في التركيبة اللبنانية السلطوية، على قاعدة “الغالب والمغلوب”.

في حال أفضت التطورات إلى هذا السيناريو “الدراماتيكي”، فإنّ ذلك سيمكّن الحزب من الحصول على مكتسبات سياسية وسلطوية ومناصبية في مختلف مؤسسات الدولة (على حساب المسيحيين والسنة)، فضلاً عن تغيير وجه لبنان ودوره ووظيفته على الصعد كافة، لا سيّما هويّته العربيّة، وسياساته الخارجيّة، ونظامه الاقتصادي والمالي، وتعدّده الثقافي والحضاري، وذلك إقتناعاً منه بأنّ ذلك حق مشروع له، وثمن مؤجل لكلّ تضحياته التي قدّمها، حان وقت سداده له.

فهل لبنان الذي كان ممنوعاً أن ينهار… بات إنهياره حاجة ومقدّمة، للخارطة الجيو- سياسية التي سترسم له؟

شارك المقال