لا معطيات رئاسية جديدة

صلاح تقي الدين

لا تشي التطورات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية بأي تقدّم قد أحرز على هذا الملف بعد انتهاء عطلة الأعياد وعودة عجلة المشاورات إلى الدوران، حتى أنه وفقاً لأحدث المعلومات فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي على الرغم من دعوته إلى جلسة انتخابية الخميس من المرجح أن تكون “فولكلورية” على جري العادة، لا يريد أن يفتح المجال أمام الذين يتهمونه بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وذلك بالتلكؤ عن الدعوة إلى جلسة انتخابية.

عليه، تبقى الصورة على ما كانت عليه في نهاية العام الماضي. المعارضة متمسكة بترشيح النائب ميشال معوض، والتغييريون منقسمون وغير موحدين حول اسم مرشح، والنواب السنة المستقلون غير قادرين على الخروج من نفق عدم الاتفاق في ما بينهم. في المقابل، فإن قوى السلطة التي يديرها “حزب الله” لا تزال تحاول الهروب من إعلان ترشيحها لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من خلال اللجوء إلى الورقة البيضاء، لكن “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل قد يخرقان هذه القاعدة والتصويت في الجلسة المقبلة لمرشح من خارج التكتل النيابي الذي يرأسه، ما يعرّض أصوات هذا التكتل إلى التشتت في ظل المعلومات التي تتحدث عن وجود 5 نواب على الأقل سيرفضون طرح باسيل ترشيح اسم من خارج التكتل.

وكل الأحاديث التي تناولت موضوع اللقاء الرباعي الذي كان مقرراً عقده في باريس، بدت وكأنها تغرّد خارج السرب، إذ ليس هناك لقاء أو على الأقل ليس كما كان متوقعاً في الأسبوع الحالي، لا سيما أن المعني الأول بالتوافق المنشود أي إيران ستكون غائبة عنه، في ظل العلاقات المتردية بين فرنسا التي ستستضيف مثل هذا اللقاء وطهران نتيجة موقفها من الحرب الأوكرانية – الروسية.

هذه هي الصورة إذاً، وبات من شبه المؤكد أن ما يحكى عن توافق خارجي قد يفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية قد تم التغاضي عنه مؤقتاً، إذ تأكد الفرقاء المعنيون أن لبنان ليس وارداً على أجندة أي من الدول التي كانت تهتم به، وهي اليوم منشغلة عنه بمعالجة تداعيات الحرب الأوكرانية – الروسية التي أصابتها.

في المعطيات المتوافرة من الداخل، يبدو أن قوى المعارضة الممثلة بحزب “القوات اللبنانية” و”الكتائب” والحزب “التقدمي الاشتراكي” لا تزال متمسكة بترشيح النائب معوض حتى إشعار آخر، وهذا بات واضحاً من التصريحات التي يدلي بها نواب كتلة “اللقاء الديموقراطي” المصرون على الاستمرار بدعم معوض إلى أن يبرز مرشح جدي آخر “يتم الاتفاق مع معوض” على السير بمعركته، أو من خلال الكلام الأخير لرئيس حزب “القوات” سمير جعجع بأن دعم معوض سيستمر إلى أن يصار إلى “التوافق مع معوض على دعم مرشح آخر”.

وكانت قد سرت تسريبات إعلامية مفادها أن معوض نفسه يبحث في إعلان خروجه من السباق الرئاسي بعدما تأكد له أن احتمال وصوله إلى بعبدا قارب الصعوبة الكبرى إن لم يكن المستحيل لعدم اقتناع قوى المعارضة كافة بالوقوف خلفه في معركته.

في المقابل، فإن الثنائي الشيعي الذي لم يعلن لغاية اليوم اسم فرنجية كمرشحه إلى الانتخابات الرئاسية، لا يزال يلجأ إلى تعطيل نصاب الجلسة الثانية بعدما يكون قد مارس لعبته المفضلة لغاية اليوم بوضع ورقة بيضاء في صندوقة الاقتراع، وعدم إعلان دعمه فرنجية يعود الى أسباب عديدة أهمها أن “حزب الله” تحديداً ليس قادراً على حشد أكثرية نيابية تسمح بإيصاله نظراً الى عدم اقتناع جبران باسيل بهذا التوجه، وبالتالي لا يستطيع تحمّل فكرة خسارة السباق الرئاسي لصالح قوى المعارضة، كما لا يتحمل إعادة اتهامه بإيصال مرشحه إلى الرئاسة لكي يستكمل مرحلة الانهيار التام الذي بدأه مرشحه السابق ميشال عون.

وفي ظل رفض القوتين المسيحيتين الكبريين أي “القوات” و”الوطني الحر” تلبية دعوة الرئيس بري إلى الحوار، فإن رئيس المجلس الذي أعلن عدم نيته الدعوة مجدداً إلى الحوار، يبعد فكرة أن يصار إلى عقد جلسة نيابية “مثمرة” ينتج عنها انتخاب رئيس.

لكن المعطى الأبرز والذي لا يزال يشوبه بعض الغموض هو احتمال التوافق على اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون ليكون الرئيس العتيد، غير أن دون ذلك عقبات محلية أبرزها رفض باسيل لهذا الاقتراح واستمراره في حرق كل أوراق قائد الجيش في اتصالاته الداخلية كما الخارجية.

وباسيل، لا يكتفي بحرق أوراق المرشحين المنافسين له، بل يسعى من خلال تسريب أسماء “ثالثة” إلى الاستمرار في تعطيل كل مسعى توافقي لانتخاب رئيس، فهو عندما يطرح أسماء مثل وزير المالية السابق ومدير دائرة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، إنما يحاول استدرار عطف النواب السنة المحسوبين سابقاً على الرئيس سعد الحريري، علّهم يقفون في صفه، وهذا ضرب من الخيال، فهؤلاء لم ولن يغفروا لباسيل ما فعله بالرئيس الحريري في المرحلة التي سبقت إعلان الأخير تعليق عمله السياسي.

أما بالنسبة الى رئيس مجلس إدارة “المؤسسة اللبنانية للارسال” الشيخ بيار الضاهر، فباسيل يريد من خلال طرح اسمه “زكزكة” جعجع نتيجة الخلاف الواقع بين الرجلين، كما يدرك أنه لن يستطيع أن يستدرج رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى هذا الفخ بحجة صلة القرابة المستجدة بينهما.

ويبقى أن باسيل يواجه صعوبة كبيرة داخل تياره بطرح أسماء مرشحين إلى الرئاسة من “خارج السرب”، فالعديد من نواب كتلة “لبنان القوي” يطمحون إلى الفوز بتسمية الكتلة للرئاسة إذا استمر رفض باسيل إعلان ترشحه بسبب العقوبات المفروضة عليه أميركياً، كما لعدم قبول أي من القوى السياسية اللبنانية بمجرد التفكير في احتمال أن يرث عهد عمه.

لا رئيس جديداً في الأفق القريب، وكل ما يأمله اللبنانيون هو أن يخرجوا من عنق الزجاجة الذي أصبح واضحاً أن المسؤول عن إدخالهم إليها هو السياسة الحاقدة التي انتهجها العهد القوي، والتي تستمر لغاية اليوم بممارسة اللعبة نفسها: الكيدية والتعطيل.

شارك المقال