هل يفتح القضاة الأوروبيون الصندوق الأسود المالي؟

زياد سامي عيتاني

تتجه أنظار اللبنانيين في ظل التجمّد والتصخّر السياسي، نحو مهمة البعثات القضائية الأوروبية، من ثلاث دول هي فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، ومهمتها إستجواب أشخاص تمّ إستجوابهم سابقاً لدى القضاء اللبناني بصفة شهود بإستثناء شخص واحد سيستجوب بصفة مشتبه به، وسط تباين في وجهات النظر حول أهمية هذه الخطوة من جهة، ومدى قانونيتها من جهة مقابلة، حتى أنّ البعض اعتبرها ليست تعدّياً على سيادية القضاء وحسب، بل تشكّل “وصاية قضائية” أوروبية على لبنان.

ولا شكّ في أنّ هذا التباين في وجهات النظر لا يخلو من خلفيات سياسية ولا من التوظيف السياسي، جراء السخونة السياسية السائدة بشأن أزمة الفراغ الرئاسي وتبعاتها، من دون أن تلوح في الأفق أيّ خروق في جدارها، بحيث يمكن للمتابع من دون عناء، أن يلحظ تعاطي الفرقاء السياسيين مع مهمة بعثة القضاء الأوروبي بما ينسجم مع مصالحهم السياسية.

فعلى الصعيد القانوني، تطرح مهمة الوفود القضائية الأوروبية تساؤلات حول مفهوم “السيادة” وما إذا كان يحق لدولة أجنبية إجراء تحقيقات في دولة ذات سيادة، علماً أنّ اتفاقية مكافحة الفساد التي وقّع عليها لبنان تُلزمه بتلبية مطالب السلطات القضائية الأجنبية، لكن بشرط أن يتوافق ذلك مع القوانين اللبنانية.

وفي هذا الاطار، يؤكّد مرجع قانوني أكاديمي (من خارج الطبقة السياسية) عدم جواز أن تتجاوز أيّ جهة خارجية، السيادة القضائية المطلقة للمحاكم اللبنانية.

ويوضح أنّه في حال وجدت دولة أجنبية ضرورة ما لاجراء تحقيقات ضمن السيادة القضائية اللبنانية، فهذا يتطلّب منها طلب ذلك بموجب استنابة قضائية توجّه إلى القضاء اللبناني المختص، الذي يعود له حصراً حقّ تنفيذها والاستجواب فيها بحضور قضاة من الدولة صاحبة الطلب.

وقد حسم النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الجدل القانوني عندما أوضح أنّ مهمة الوفد تندرج في إطار المعاهدة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2003 ودخلت حيّز التنفيذ عام 2005، وانضم إليها لبنان عام 2008 بموجب القانون الرقم 33 الذي صدّقه مجلس النواب عام 2008.

وأكّد أن التدابير المُتخذة بشأن زيارة الوفد تنطبق عليها الأصول القانونية، موضحاً أنّ النيابة العامّة وضعت الآلية القانونية المناسبة.

وكشف عن اشتراط توحيد الاجراءات لعدم تبليغ الأشخاص المعنيين ثلاث مرات، وسيكون هناك وفد موحّد، قُسّم العمل بين أعضائه، مع تحديد جدول زمني وخطة عمل واضحة، وإجراء الاستجوابات في قصر العدل.

وأشار إلى أنّ الملفات التي سيحقق بها الوفد القضائي تندرج تحت باب الفساد، وهو الملف ذاته الموجود في النيابة العامة الاستئنافية، وأنّ الأشخاص المطلوب استجوابهم عددهم 15 شخصاً، وليس بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

أمّا على الصعيد القضائي العملاني، فإنّ ما يهمّ اللبنانيين الذين نهبت ودائعهم بواسطة أكبر عملية سطو، مدى جديّة مهمة الوفد القضائي والأوروبي، وإلى أين ستفضي نتائج استجواباته؟

بالتأكيد فإنّ هذا المسار القضائي الأوروبي الصعب والشاق يحتاج في حال اتسم بالجديّة إلى وقت مديد ونفس طويل، نظراً الى صعوبة ملف الجرائم المالية، الذي سيحققون به، وخطورته وتعقيداته، في كلّ ما يتعلق به من جرائم متلازمة أفضت إلى الانهيار المالي العام، منها: نهب مالية الدولة، التحويلات الاحتيالية، التهرّب الضريبي، تبييض الأموال والإثراء غير المشروع.

ولكنّ السؤال المركزي الذي يطرح نفسه: هل اتخذ قرار أوروبي مدعوم أميركياً، لفتح ملف الجرائم المالية التي ارتكبت بحق لبنان الدولة والشعب، كمقدمة لتعرية المرتكبين من سياسيين ومصرف لبنان ومصارف، ومحاكمتهم، وبالتالي استعادة الأموال المنهوبة؟

طبعاً، لا أحد يملك حتى الآن الاجابة عن هذا السؤال بضخامة حجمه، خصوصاً وأنّ الموضوع ليس قضائياً بحتاً، بل سياسي بإمتياز، بغلاف قضائي.

بانتظار أن يتبلور الجواب الواضح، فإنّ الطبقة السياسية المنقسمة انقساماً عمودياً حادّاً، كما لم يشهده لبنان من قبل، سوف تعلّق انقسامها هذا وتضعه جانباً، وتتضامن وتتكافل في ما بينها، ومع مصرف لبنان والمصارف، لإجهاض مهمة الوفد القضائي الأوروبي، خوفاً على رؤوسها، في حال أفضت التحقيقات إلى كشف ما يحتويه “الصندوق الأسود” من جرائم وما يتصل بها من أسرار، قد تؤدي إلى رفع الحصانات عنها، واقتيادها إلى المحاكمة، وبالتالي الاطاحة بتلك الرؤوس، إذا سُمح للمسار القضائي أن يبلغ خواتيمه.

في هذه الحال، طالما أن الآلية المتبعة في عمل الوفد القضائي لا تخوّله إتخاذ أي إجراءات بحق المستجوبين أمام القضاء اللبناني، كالادعاء عليهم أو توقيفهم أو تجميد أموالهم، في حال توافرت التهم الجرمية، هل يلجأ الوفد إلى القضاء الأوروبي لفرض العقوبات بحقهم، خصوصاً وأن أموال من سيتم إستجوابهم مودعة في مصارف أوروبية؟

شارك المقال