لبنان بين منزلتي الحياة والموت

محمد علي فرحات

لبنان أكثر من أي يوم مضى، يعيش في منزلة بين منزلتي الحياة والموت. بهذا الوضع المعلق نرى اللبنانيين يستسلمون للمجهول. لا يطلبون عودة ماضٍ كان يغلف المأساة بالورق الملون، ولا يستطيعون رسم مستقبل لا يعرفون من أي العناصر يتكون. الحقيقة الماثلة أن لبنان منصة بائسة تطل على المشرق العربي الأكثر بؤساً، لذلك نرى هذا الصمت الاقليمي والدولي عن مليوني لاجئ سوري يعمل الجميع على دعم بقائهم في الوطن الصغير وجعل عودتهم الى وطنهم الأم سوريا أشبه بعملية مستحيلة. وبقليل من الدولارات يتحقق الهدفان ويحار الفقير اللبناني أي موقف يتخذه من الفقير السوري، وهما يتصارعان على لقمة عيش تندر كلما هبطت العملة الوطنية وتصاعد شأن الدولار.

ولا تحمل أخبار السياسة جديداً بل الكلام المكرور عن أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وخلافات السياسيين حول شرعية عمل حكومة تقبل الرئيس السابق استقالتها قبل أن تنتهي ولايته ويترك القصر الجمهوري الى بيته الخاص. هو الكلام المكرور يشبه الصمت لا أكثر ولا أقل. فقد خرست الألسنة وعجزت العقول عن اجتراح كلام جديد. مع ذلك لا يخجل السياسيون المحدثون من تكرار الفكرة نفسها كل صباح فكأنهم يؤدون تمارين الصوت أكثر مما يطلقون خطاباً موجهاً للناس. وهنيئاً لذلك السياسي السارق وقد وَخَط الشيب رأسه بلا حكمة، ولا مثال ذلك السياسي من اللصوص الذين لا يخجلون. هنيئاً للجميع تلك الوقفات المنبرية السطحية والتصريحات الكاذبة. قل ان ما يحدث هو كلام بكلام أما الكلام المعبّر عن فعل أو الممهد له فليس من مآثر سياسيينا وليس من بضاعة بلادنا في بؤسها الراهن.

عندنا في لبنان حكام أغنياء لدولة فقيرة، فمنذ زمن ضيّع اللبنانيون الحدود بين الداخل والخارج، في السياسة كما في غيرها، حتى أصبحت الوطنية في الوطن الجميل البائس عرفاً ودستوراً مسألة غامضة. المسروق يتعلق بسارقيه ويدعو لهم بطول العمر حالماً بيوم تستفيق فيه الضمائر ويأتي من يفتح له يديه ويضع فيهما المال المسروق. انها السذاجة أو قل هي غباء الذكي لكثرة ما استغبى نفسه وكرر الشعارات العمومية، أعني شعارات أبناء الطائفة لا أبناء الوطن. ولسنا في حاجة الى تكرار ما رددناه ويردده كثيرون من أن الطائفية هي سبب أمراضنا، حتى إذا بحثنا عنها وقبضنا عليها نفتح اليد على فراغ. الطائفية هي كل شيء والطائفية هي لا شيء. هذه الأحجية يعيشها اللبنانيون ولا يجدون لها حلاً.

كانوا يعيشون في وطن قوي، تحكمهم أو تتحكم بهم دولة ضعيفة، وها هم يطأطئون الرؤوس مواطنين ضعفاء ومعهم ضعف في الدولة والوطن. الاستثناء الوحيد هو وجود قوى مسلحة تنفذ قرارات الحكومة. هي قوى الجيش والشرطة والدرك والأمن العام وأمن الدولة (لاحظ العناوين المتعددة لكي تتسع لقيادات طائفية)، لكن هذه القوى المسلحة الشرعية يصيبها ما يصيبها من تراجع الرواتب ومعها مستوى المعيشة والمعنويات.

وهنا، مع العرفان لدولة قطر الشقيقة لاستجابتها طلبات الجيش اللبناني بالمساعدة الغذائية والمالية، فان هذه الحقيقة المعلنة تترك جروحاً لدى اللبنانيين الذين لم تستطع الميليشيات والزعامات الكرتونية البائسة أن تنسيهم صورة الجيش كرمز للشرف الوطني البعيد مبدئياً عن الفساد والافساد. ويعرف هؤلاء اللبنانيون جيداً أن سدّ ثغرة من ثغرات هدر المال العام ربما تكون كافية ليأكل العسكري اللبناني ويقبض من أموال الدولة التي يحميها مبدئياً.

ليس الجيش وحده من يتحمل اهانات المجموعة الحاكمة بل أولئك الذين لم تصادر الطائفية وزعماؤها عقولهم وقلوبهم. وهم يتناقصون عدداً بالهجرة أو بانصياع الضرورة لحاجات المأكل والمشرب في حدها الأدنى التي يؤمنها زعماء الطوائف، ومعها يحصدون كرامات الذين كانوا مواطنين فأصبحوا رعايا خانعين.

شارك المقال