رسائل عبد اللهيان: “بحكيكي يا كنة لتسمعي يا جارة”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا يمكن قراءة زيارة وزير خارجية ايران حسين أمير ‏عبد اللهيان إلى لبنان في ظل الفراغ القائم، الا من باب الضغط بديبلوماسية على الغرب الذي يتخذ مزيداً من العقوبات ضد بلاده نتيجة تعامل النظام مع الاحتجاجات الشعبية بالقمع والقتل والسجن والاصرار على هذا النهج على الرغم من التحذيرات من سلوكيات التخوين في التعامل مع المعارضين وتنفيذ أحكام الاعدام بناشطين في التحركات الاحتجاجية، وبذلك يتأكد أن إيران المأزومة داخلياً تهرب الى الخارج.

وصف عبد اللهيان زيارته الى لبنان بأنها زيارة الى بلد شقيق، وبالطبع لبنان ليس شقيقاً لايران ولا من يحزنون، بل قوله مجرد إدعاء، وإيران ليست بالنسبة إلى أكثرية اللبنانيين سوى دولة تريد أن تضغط على بلدهم من أجل تمرير مصالحها وأجندتها التفاوضية مع دول الخارج، من خلال التأثير في موازين القوى الداخلية لا سيما وأن الاستحقاقات الحالية مصيرية.

هذه الزيارة التي تأخرت عن موعدها أسبوعاً بسبب الوعكة الصحية التي ألمت بالأمين العام لــ “حزب الله” حسن نصر الله، تهدف في ما تهدف الى نقاش بعض الأمور مع السيد، وتحمل في طياتها توجيه رسائل عدة أيضاً بحسب مصادر سياسية متابعة، “الرسالة الأولى بروتوكولية من خلال جولات وصولات على شخصيات سياسية بعون من صديقه وأخيه بالروح وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب الذي يجد فيها فرصة لاطلالة تقدمه كمرشح لرئاسة الجمهورية وتسويق نفسه كمرشح مستقل مقبول من الولايات المتحدة ومن ايران، ويعتبر أن هذه الزيارة تعويم له. أما ما يريده عبد اللهيان فهو الهروب من الواقع الداخلي المتأزم في بلاده، نحو لبنان الساحة، اذ لا يعتبر أن لبنان بلد مستقل له حدود وكيان ويتم التعامل معه من دولة الى دولة، وايران تعتبر أن الساحات الموجودة فيها بواسطة ميليشاتها في بلدان عربية هي ساحات تحتلها ورهينة للمفاوضة عليها وفقاً لما تمليه مصلحة مشروعها النووي. وكانت إيران قد وجهت رسالة الى الأمم المتحدة عبر تنفيذ عملية قتل جندي ايرلندي من قوة اليونيفيل بدم بارد في العاقبية، ولا تزال التفاصيل مبهمة، على الرغم من أن الادعاءات كانت على شخص سلمه حزب الله وعلى آخرين غير موجودين، كما رأينا ما فعلته جمعية حزب الله البيئية (أخضر بلا حدود) باستحداث مراكز في رميش للحزب وجاء بعدها تهديد نصر الله بخرق الجليل، والكل يعرف أن هذه الجمعية ممولة من وحدة الرضوان في الهلال الأحمر الايراني، وكل هذه التهديدات هي مجرد محاولة لرفع المعنويات الايرانية”.

أما النقطة الثانية والأساسية، حسب قول المصادر نفسها، فهي أن “جولة عبد اللهيان بمثابة هامش للتحرك الايراني عبر لبنان في ظل الأزمات الخانقة التي يعاني منها البلد، لا سيما أزمة الانتخابات الرئاسية، وباعتبار أن حزب الله وحلفاءه يأسرون هذا الاستحقاق بطلب إيراني ولا يرغبون في الافراج عنه، على الرغم من الجهود العربية لانجازه وآخرها اللقاء المصري – السعودي الذي اعتبر رسالة للعالم وللمجتمع العربي بضرورة المحافظة على لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية وانهاء حالة الفراغ القاتل. طبعاً زيارة عبد اللهيان هي رد مباشر للقول ان حضور إيران في لبنان لا يقل عن وجود الغرب والعرب، وبالتالي أي تفاوض حول شخصية الرئيس لا يمكن أن يحصل بمعزل عنها لحل هذا الموضوع، كونها تملك القرار النهائي في تحديد وجهة الرئيس المقبل”.

وهناك نقطة ثالثة تشير اليها هذه المصادر في قراءتها لأهداف زيارة عبد اللهيان للتبجح بها وهي إقامة محطات كهربائية وامدادات نفطية ومساعدة لبنان اقتصادياً، مؤكدة أن “مسرحية المساعدات تتردد على ألسنة المسؤولين الايرانيين منذ سنة ألفين ولم يعرف أحد ما الذي يعوق التنفيذ، واليوم تقول إنها تريد أن تساعد لبنان في اقامة محطات للكهرباء وهذا الكلام غير صحيح للعديد من الأسباب، وايران تعرف جيداً أنها لا تستطيع سوى التفلت والتهرب من العقوبات عبر استخدام لبنان كممر لشركاتها ومؤسساتها ولاستخدام الدولارات الموجودة في لبنان لتمويل شركاتها العسكرية التي باتت تزود روسيا بالمسيرات، وهناك ضغوط دولية عليها تضايقها وتضايق روسيا أيضاً. كما أن ايران واقعة تحت عقوبات واضحة لا تستطيع تخطيها، واليوم سوريا واقعة في أسر العقوبات. لبنان وضعه الاقتصادي محشور، ولا تستطيع إيران سوى القيام بمناورة اقتصادية صغيرة. العراق مراقب أميركياً، وتم حصار امكان التحرك المالي في ايران. لذلك هذا الخطاب هو خطاب شعبوي للقول بأن لبنان محاصر، ومن يحاصره هي أميركا. وها هي ايران المتمردة تأتي لمساعدة لبنان ولكن هناك من لا يريد مساعدة الشعب اللبناني لأنه ضد ايران. لكن إذا تم توجيه سؤال الى الشعب الايراني ومسؤوليه هل هناك في ايران كهرباء24 على 24؟ أليس هناك تقنين في ساعات التغذية وانعدام في تأمين خدمة الغاز للمنازل للتدفئة وغيرها؟ ألا يقف الايرانيون صفوفاً على محطات الطاقة؟ لماذا يرتفع سعر الدولار مقابل التومان أليس بسبب التضخم؟ كل هذه الأسئلة تدل على أن الوضع الاقتصادي في إيران سيء، وبالتالي هي تعلم جيداً أن مداخيل حزب الله التي كانت توفرها له باتت عصية، ومن هنا الزيارة شعبوية لرفع المعنويات والقول إنها بخير وان لديها صناعات وقادرة، واذا حددنا صادراتها الصناعية فسنرى أنها لا تنتج الا الصواريخ والمسيرات والبرمجة والهاكرز التي تحاول استخدامها في ضرب دول أخرى، أما الصناعات الباقية فشبه معدومة حتى مصافي النفط غير موجودة فهي تصفي البنزين في الخارج ثم تستعيده وتشتريه من دول أخرى حتى من باكستان والعراق. اذاً كلام عبد اللهيان مجرد لغو وأسلوب درج عليه المسؤولون الايرانيون في تقديم خطابات تدعي انتصارات وهي انتصارات وهمية”.

النقطة الرابعة التي تناولتها هذه المصادر في تحليلها لأهداف زيارة عبد اللهيان، “هي حل الخلاف وحلحلة العقد داخل فريق 8 آذار الذي لم يحسم حتى هذه اللحظة مرشحه، لا سيما بعد ظهور التباين بين التيار الوطني الحر وحزب الله، مما يؤشر الى أن عملية ترشيح حزب الله لسليمان فرنجية صعبة لعدم توافر الغطاء المسيحي، ولذلك يؤخر الاعلان الرسمي عن هذا الترشيح. ويناقش عبد اللهيان مع أحزاب هذا الفريق الوضع للاتفاق على مرشح ايراني بالمواصفات التي وضعها حزب الله، ويطالب بالحوار حول مرشحه وإنتخابه لاحقاً أي الموافقة على الرئيس الذي نريده والا التعطيل يستمر”.

وتستدرك بالقول: “لكن المشكلة الداخلية معقدة، وعبد اللهيان لا يستطيع حلها وهو يريد ايصال رسالة الى الولايات المتحدة والغرب مفادها أننا من يمسك أوراق اليمن ولبنان والعراق والا سنقلب الطاولة، ويطلب إبعاد يدها عن الحرس الثوري الايراني وهو إبن هذه المؤسسة، وفي مؤتمر (بغداد 2) الذي انعقد في الأردن كان يطالب أميركا بتلقف الدعوات ايران للتفاوض ضمن شروطها، لكن كما يبدو أن الأخيرة تتهرب من المفاوضات لأنها محشورة، بعد أن تغيرت المواقف الغربية إثر دك أوكرانيا بالمسيرات الايرانية التي صارت تشكل تهديداً لدول أوروبا”.

وتخلص المصادر الى التأكيد أن زيارة عبد اللهيان “ليست الا محاولة لقطع الطريق على الجهد العربي والغربي والالتفاف على ما يمكن أن تخرج به البعثتان الأوروبية أو الفرنسية للتحقيق في جرائم الفساد المالية وتفجير المرفأ، وايصال رسالة بأن لا افراج عن الملف الرئاسي الا في حال استجاب الغرب لفتح باب الحوار مع النظام الايراني ونسيان ما يقوم به من قمع واعدامات بحق شعبه، أي وفق المثل الشعبي (بحكيكي يا كنة لتسمعي يا جارة)”.

شارك المقال