توقيف نون يكشف انقسامات القضاء

محمد شمس الدين

أبرز ما حققه ملف توقيف الناشط ويليام نون هو كشف الخلاف الكبير في السلطة القضائية، فالقاضي الذي أصدر القرار بتوقيفه، زاهر حمادة، استعان بمجلس القضاء الأعلى لمساندته في قراره، رفضاً للرضوخ لضغط الشارع، وفعلاً تشاور أعضاء المجلس في مجموعة على تطبيق “واتساب” وتم الاتفاق على صياغة بيان ديبلوماسي نوعاً ما إلا أنه يؤيد القاضي حمادة، وجاء فيه: “إنّ مجلس القضاء الأعلى يستغرب ويستنكر التدخّل والتهجّم على عمل القضاة، ومؤخراً إجراءات النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، من مرجعياتٍ يُفترض بها احترام عمل القاضي، الذي يحتكم إلى ضميره وعمله القانوني. كما يَرفض المجلس التعرّض والتطاول من أي جهةٍ كانت على القضاء، وكرامة القضاة في معرضِ ممارسة واجباتهم كسلطةٍ دستورية مستقلّة”. وأكد البيان أنّ “الغاية التي يسعى إليها أحد المواطنين، مهما كانت شريفة ومحقّة، لا تُبَرِر الوسيلة غير المشروعة والمعاقب عليها قانوناً. فالقضاء لم يكن يوماً، ولن يكون مكسر عصا لأحد”.

البيان وافق عليه مجلس القضاء، الناقص من عديده ثلاثة أعضاء بسبب الخلاف السياسي – القضائي. صوّت 6 أعضاء لمصلحة البيان وامتنع واحد هو رئيسه القاضي سهيل عبود، الذي عاد وسرّب خبراً إلى إحدى وسائل الاعلام عن عدم موافقته على البيان، لترد عليه مصادر القضاة عبر الوسيلة نفسها، مشيرة الى أن “مجلس القضاء الأعلى أصدر بيانه الأخير وفقاً للأصول بأكثرية ستة أصوات، وامتناع صوت واحد. وفي مطلق الأحوال، فإنّ المجلس مؤسّسة تعمل وفقاً لأحكامِ القانون، ولا يختصرها شخص واحد”. هنا اضطر القاضي عبود إلى إصدار بيان رسمي ضرب فيه بيان مجلس القضاء، جاء فيه: “تداولت وسائل الاعلام بصدور بيانٍ عن مجلس القضاء الأعلى بتاريخ اليوم (السبت). إن رئيس مجلس القضاء الأعلى يوضح، أن أيّ بيانٍ لم يصدر عن المجلس وفق الأصول القانونية المعتمدة، وإنّما تمّ التداول بشأن إصدارِ بيانٍ متعلّق بما آلت إليه الأمور في المرحلة الأخيرة، ولم يُصَر إلى التوافق على مضمونِهِ، الذي كان ما زال قيد المناقشة. وإنّ ما وصل إلى وسائل الاعلام، إنّما هو مشروع بيانٍ لم يحظَ بالموافقةِ المُفترضة لاصداره، فاقتضى التوضيح”.

البيان والبيان المضاد يفضحان ما آل إليه القضاء اليوم، أعضاؤه الـ 7 في خلافات دائمة، ولا يستطيعون البت بقرار، والسبب الأساس لهذه الخلافات هو قضية انفجار مرفأ بيروت. وينقسم الجسم القضائي إلى فريقين، فريق يعتبر أنه ينفذ النصوص بحذافيرها، وفريق آخر يرى أن قضية المرفأ يجب أن تتخطى النصوص لتحقيق العدالة، هذا الفريق يترأسه القاضي عبود، الذي يرفض بصورة قاطعة تغيير المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، حتى أنه عطل تعيين قاضٍ رديف يبت بملفات الموقوفين من دون محاكمة في القضية، وعلى رأسهم المدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر، بحيث يعتبر عبود أن إطلاق الموقوفين وتعيين قاضٍ رديف سيدفنان التحقيق، وهو يتسلح بدعم داخلي من أحزاب المعارضة مثل “القوات اللبنانية” و”الكتائب” والتغييريين وجزء من أهالي ضحايا المرفأ وسياسيين آخرين، ودعم خارجي دولي على رأسه فرنسا.

أما الفريق الآخر فيرى أن عبود طامح إلى رئاسة الجمهورية، وهو يعمل بشعبوية لا بالأصول القضائية والقانونية. وأشارت مصادر قضائية في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الانقسام الموجود في مجلس القضاء ينسحب على جميع القضاة، فترى قضاة يؤيدون مجلس القضاء وقضاة آخرين ضده، وتارة يكون رئيس مجلس القضاء متفقاً مع نادي قضاة لبنان وتارة أخرى تراه ينقلب عليهم، لأنهم مرروا قراراً ما من دون علمه، انقسام تشهده العدلية في لبنان اليوم لم يكن له مثيل في التاريخ، حتى أيام الحرب الأهلية”.

وعزت المصادر السبب إلى أن “هناك جهات تريد أن تستثمر بالقضاء في لبنان اليوم”، لافتة الى أن “أكثر سياسة (دارجة) اليوم لمن يريد أن ينجح هي أن يستثمر كل رصيده داخل القضاء، وهذا الأمر يلبي طموحات الأفرقاء السياسيين”. وتساءلت “هل يعقل أن ينسحب رئيس مجلس القضاء الأعلى من اجتماع يترأسه هو، ثم يترأسه نائبه فينسحب هو الآخر؟ هل من المقبول أن يتفق مجلس القضاء على بيان ثم يصدر نفي من رئيسه؟ وأيضاً وأيضاً هل من الممكن أن يتفق المجتمعون على تعيين قاضٍ رديف ثم يغادر نصف المجتمعين لتطيير الجلسة؟ أمور تحصل لأول مرة في تاريح القضاء اللبناني”.

وختمت المصادر بالقول: “7 أعضاء في مجلس القضاء الأعلى والانقسام حاد بهذا الشكل بينهم ويتم تطيير النصاب، لا يمكننا بعد اليوم العتب على تطيير جلسات مجلس النواب عبر تطيير النصاب فيها”.

شارك المقال