صونيا بيروتي… إعلامية مشرقة في زمن “الأبيض والأسود”

زياد سامي عيتاني

رحلت بالأمس الاعلامية الرائدة والمميزة صونيا بيروتي، بعد مسيرة إعلامية حافلة بالعطاء والنشاط الدائم، عملت خلالها في الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة في الوقت نفسه، وهذا الأمر قلّ نظيره في مهنة المتاعب، وتمكنت بفضل جدارتها واحترافيتها المهنية من أن تشكل مدرسة خاصة بها في مجال الاعلام.

كانت صونيا بيروتي فريدة في أدائها وإخلاصها لعملها، وتميزت بجرأة الاطلالة والمظهر، خارقة كل التقاليد النمطية التي كانت سائدة، مع تمسكها بكل المعايير الأخلاقية في عملها.

كتبت بقلمها الجريء الحر واللاذع، المقالات والتحليلات التي تناولت قضايا المرأة والمجتمع، إضافة إلى المواضيع السياسية والفنية والثقافية.

كانت رفيقة المستمع كل صباح عبر أثير “إذاعة لبنان”، من خلال برنامجها “فنجان قهوة”، على مدى خمس سنوات. إلا أن صورتها التي لا تزال عالقة في أذهان الناس، هي إطلالتها الفريدة عبر تقديمها برنامج “ستوديو الفن”، حيث تميزت بصوتها وحضورها وذكائها اللامع.

صونيا بيروتي، المرأة التي خاضت سباقاً مع عصرها، ربحت رهانها إعلامية فذة وإمرأة مناضلة لا تهدأ ولا تستكين.

مسيرتها في الصحافة المكتوبة:

حبها الجارف للكتابة أخذها باكراً إلى عالم الصحافة الواسع، بتشجيع من صديقتها الممثلة رضا خوري. إنتسبت الى “دار الصياد” في العام 1960، وفي هذه المدرسة الاعلامية العريقة، تعلمت كيفية كتابة الخبر وصنعه وطبعه ونشره وتوزيعه.

حشريتها جعلتها تغوص عميقاً في مهنة الصحافة التي أحبتها لدرجة العشق، وأعطتها من وقتها وروحها الى أقصى درجات العطاء. تنقلت بين مجلة “الصياد” وجريدة “الأنوار”، كمحررة في الأقسام المختلفة، نسائية، وإجتماعية وسياسية، فعالجت العديد من المواضيع، مسلطة الضوء على مشكلات المرأة والمواطنين عموماً، وتفاعلت مع قضاياهم، ونقلتها الى المراجع المختصة. في العام 1962 تسلمت مسؤولية سكرتيرة التحرير في مجلة “الحسناء”، وبين العامين 1964 و1965، عملت كمحررة في قسم التحقيقات السياسية والاجتماعية في صحيفة “النهار”، ثم عادت في العام 1966 إلى مجلة “الحسناء” كمديرة تحرير هذه المرة. وتسلمت رئاسة تحرير مجلة “الشرقية” بين العامين 1973 و1976 حين إنتقلت الى صحيفة “المحرر” وعملت لمدة سنة، في مجال إجراء التحقيقات والحوارات السياسية. بين 1986 و1990 شغلت منصب رئاسة تحرير مجلة “الأناقة”، وكتبت مقالات في مجلتي “فيروز” و”الفارس”. كما شغلت منصب رئيسة تحرير مجلة “لبنان 09” الثقافية الاجتماعية، بين 1991 و1994.

وفي العام 1999، شغلت منصب رئيسة قسم المرأة في صحيفة “المستقبل”.

“فنجان قهوة” إذاعياً:

لم تبعد الصحافة المكتوبة صونيا بيروتي عن أثير الاذاعة، فمنذ العام 1963 بدأت كتابة البرامج والحوارات الاذاعية وإعدادها وتقديمها. واستمر عملها في الاذاعة اللبنانية حتى العام 1984.

ذاع صيتها من خلال برنامجها “فنجان قهوة”، الذي استمر وبنجاح كبير، نحو خمس سنوات، وكانت تتخلله “إسكتشات” تكتبها وتشارك في تمثيلها.

“ستوديو الفن” نقطة فارقة:

عملها في التلفزيون كان وليد الصدفة. جاء زميل لها من “تلفزيون لبنان” في أحد الأيام ليقول بأنه يحتاج إلى أحد يساعده في تقديم برنامج عن الهواة (شعر، غناء، عزف…). كانت التجربة غريبة، فقد ذهبت إلى مبنى التلفزيون وبدأت بتقديم الهواة معتقدة أنه بث تجريبي لصوتها ولأدائها، لكن الواقع أن كل شيء كان يبث مباشرة على الهواء. بدأت مسيرتها في عالم التلفزيون في العام 1960 واستمرت لغاية العام 1973. تخلل هذه الفترة برنامج “المجلة المتلفزة” الذي استمر نحو 9 سنوات (1960 – 1969)، وعرض مشكلات إجتماعية وثقافية وسياسية متعددة، وكان له جمهوره الخاص. مع تجربة برنامج “ستوديو الفن” الفريدة، إتسعت رقعة الجمهور. إطلالتها أثارت الجدل، شعرها، ملابسها، صوتها، غير أن الجمهور سحرته تلك الاعلامية المميزة بشكلها وصوتها وذكائها وسرعة بديهتها.

مع رحيل صونيا بيروتي، يفقد الاعلام اللبناني، واحدة من الاعلاميات اللواتي إقترن إسمهن بزمن الاعلام الراقي والسامي، زمن الأسود والأبيض، الذي كان أكثر إشراقاً من زمن الألوان الباهتة.

شارك المقال