الفديرالية حل أو انتحار؟ طرح من الحرب الأهلية (3)

زياد سامي عيتاني

الحديث عن “الفديرالية” الذي يتمّ التداول به لدى بعض الأطراف اللبنانيّة، كحلٍّ للخروج من الأزمة السياسيّة البنيويّة التي يتخبّط بها النظام اللبناني، ليس طرحاً مستحدثاً، بل يعود إلى ما قبل مرحلة الحرب الأهلية، ليبرز بقوّة خلالها، عندما كانت بعض الأحزاب المسيحيّة، التي شكّلت لاحقاً “الجبهة اللبنانية”، تعتبر أنّ المسلمين، على عكس المسيحيين، غير متمسكين بالكيان اللبناني، بل ينظرون دائماً إلى خارج الحدود، أي إلى الفضاء العربي، ويحلمون بـ”الوحدة العربية” على حساب الكيانيّة اللبنانيّة المبنيّة أساساً على نهائيّة لبنان كوطن لجميع اللبنانيين.

وتعزّز هذا الطرح مع بداية الحرب الأهلية، جراء الانقسام الطائفي العمودي الحاد بين القوى المسيحية والقوى الاسلامية والأحزاب اليسارية، بشأن تمادي هيمنة السلاح الفلسطيني، الذي بات خطراً يهدّد سيادة لبنان واستقلاله، إزاء ضعف الدولة اللبنانية وتركيبتها السياسية “الهشّة”، مما يجعل القرار اللبناني بيد الفلسطينيين الممسكين أيضاً من وجهة نظرهم بقرار القيادات الاسلامية والأحزاب اليسارية، الداعمة للقضية الفلسطينية وللسلاح الفلسطيني في لبنان، مع التمسّك بإبقاء جبهة الجنوب مفتوحة، كمنطلق أمام العمليات الفدائية داخل الكيان الصهيوني.

ومع تنامي الشعور المسيحي بالخطر الوجودي، راحت نخب كنسية وعقائدية تطرح “الفديرالية” كحل لوقف الحرب، لأنّه يستحيل التخلّص من سيطرة المقاومة الفلسطينية، ونفوذها بين المسلمين اللبنانيين، فيما ذهب الأكثر تشدّداً الى المطالبة بالتقسيم، لتحكم كلّ طائفة مناطقها بما ينسجم مع معتقداتها، مبررين ذلك بأنّ ثمة مخطط دولي سيفضي إلى توطين الفلسطينيين، ما سيؤدي إلى خلل كبير في البنية الديموغرافيّة من الناحية العددية على صعيد التركيبة الطائفية للشعب اللبناني.

غير أنّ خروج المقاومة الفلسطينية عام 1982، لم يكن كفيلاً بسحب تلك الطروحات، بحيث ما لبثت أن عادت الى التداول مجدداً عقب إنتفاضة 6 شباط، التي أتبعت بحرب الجبل، مع تهيئة الأرضية حينها، عندما ذهبت الأحزاب الطائفية إلى إنشاء ما يشبه “الحكم الذاتي” في مناطق نفوذها، لتتزايد المخاوف من حتمية التقسيم جدّياً، خصوصاً مع إشتعال كلّ الجبهات، التي أتبعت بصراعات دموية داخل المنطقة الواحدة، حيث لم تكن تلك المناطق تتسع لسلطة ونفوذ تعدّد الأفرقاء من لون طائفي ومذهبي واحد، نظراً الى تعقيدات وضيق “التعايش” في ما بينهم.

ومع توقّف الحرب الأهلية بقرار دولي – إقليمي، عقب التوصّل إلى وثيقة الوفاق الوطني في مدينة الطائف، التي أقرّت كدستور للجمهورية الثانية، غابت الأصوات التي كانت تنادي بـ “الفدرلة”، ليس في محاولة منها لإعطاء فرصة جديدة لامكان التعايش بين الطوائف اللبنانية، بل لغياب أيّ غطاء دولي أو إقليمي لها، بعدما توصلت عواصم القرار إلى تفاهم بينها على إنهاء الحرب والانتقال إلى مرحلة السلم الأهلي، وفقاً لما نصّ عليه اتفاق الطائف.

فهل انكفاء الأصوات التي كانت تطالب بتطبيق “الفديرالية” تعايشت مع الواقع الجديد أم أنّها تراجعت خطوة إلى الوراء بإنتظار متغيرات ما، لتعيد إندفاعية المطالبة بها؟.

(يتبع)

شارك المقال