وطن بالإكراه؟

د. نسب مرعب
د. نسب مرعب

تخرج بعض الأصوات بين الحين اللبناني والآخر لتدعو إلى التقسيم، همساً أو صراخاً. من يهمس يستحي بما يريده، وينتظر الظرف الأقسى لرفع نبرته. ومن يصرخ يسعى إلى زيادة شعبيته في بيئته الخائفة، أو تكبير حصّته في كعكة الوطن المتآكلة.

إنّ الأزمة الراهنة إقتصادية بمجملها، وإن كانت بعض السياسات الفاشلة أدّت إليها. ولكن هل يكمن الحلّ الملح اليوم في اللجوء إلى التقسيم لمعالجة المعضلة المالية؟

عجزت الحرب الأهلية بوحشيتها عن فرض التقسيم، وجعله قدراً لنا، بل إلتقينا في الطائف وأنعشنا الصيغة اللبنانية الفريدة من جديد. أمّن الطائف ولا يزال توازناً دقيقاً، وهو أجمل الممكن في ظلّ سياسة تعددية ووطن متنوع. ولقد شكّل إخماداً لنار التقسيم التي أسعرتها الميليشيات المتحاربة.

إنّ وثيقة الوفاق الوطني هي لحظة حقيقة حاسمة، قررنا فيها البقاء معاً، والاستمرار سوياً في ربوع الوطن الواحد. وكان الرئيس الشهيد رفيق الحريري نبراساً في تحصين الوحدة الوطنية عبر تمسّكه بالمناصفة، وتوثيق عُرى المواطنة.

لقد كان مشروعه عابراً للطوائف والمذاهب، سواء في المشاريع التي نفّذها، أو الانتخابات التي خاضها، أو الأفكار التي دعا إليها. وكان يحلم أن تشاركه كل القوى المحلية إنفتاحه، فيما كان بعضها يستميت لتحجيم الحريري في الخانة السنية حصراً.

إهتمّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري بتوازن الإنماء وتعميق الإنتماء في بلد الأرز، وكانت الخارطة اللبنانية الجامعة قرّة عينه. تماماً كما كان يسعى الرئيس الشهيد بشير الجميل إلى بناء وطن حر سيّد مستقل، آمن وعادل ونابض بالحياة.

عندما نفكّر بهاتين الشخصيتين، نرى أنّ القضية واحدة، وإن إختلفت الأدوات. ونشعر أن الغاية هي عينها، وإن تباينت الظروف التي أحاطت بكلّ منهما.

ونتأكد أن الصيغة اللبنانية ليست مستعصية، كما يحلو للبعض المقامر أن يقول. وليس النسيج الشعبي اللبناني مسؤولاً عن الإنهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي نعيشه اليوم.

إنّ طرح التقسيم مستحيل لاعتبارات جغرافية وديموغرافية، وتاريخية وإجتماعية، وسياسية. ولنتخيّل سوياً دولة مسيحية يعيش فيها جبران باسيل، وسمير جعجع، وسليمان فرنجية، وجبران باسيل. فمن سيكون الرئيس حينها؟ ألن تتقاتل القوى في ما بينها على هوية الزعيم القائد، أم أنّها بمجرّد إنفصالها عن باقي الكتل اللبنانية، سيصبح قادتها زاهدين بتولّي السلطة؟

ليس لبنان ولن يكون بلداً بالإكراه، بل نريده برغبة صادقة وإرادة صلبة وإيمان عميق. ونؤكد عليه مع إشراقة كل شمس ومغيبها، لأننا نصحو على الوطن الحبيب، نسهر على ديمومته، وننام في أحضانه.

شارك المقال