جمهورية وسلطة من… “زجاج”!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

في إحدى إطلالاته السابقة منذ سنين، وصف الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله دول الخليج وبالذات المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، بأنها دول من “زجاج” تسقط – من وجهة نظره – عند أول رمية حجر يلقى بإتجاهها. تذكرت هذا القول الأسبوع الفائت وأنا أرى السلطة بإمتداداتها الأمنية والقضائية، والتي لا يختلف إثنان على أنها في النهاية – وبدرجة كبيرة – تمثل سلطة “حزب الله”، مرعوبة ومستنفرة من “كومة حجار”، رماها أهالي الضحايا في جريمة تفجير مرفأ بيروت بإتجاه مبنى “قصر العدل”، بحيث هشّمت زجاجه ومعه “هيبة” هذه السلطة المستبدة، في المبنى نفسه الذي شهد التهديد بـ “قبع” القاضي طارق البيطار الذي أطلقه في يوم من الأيام “رجل السلطة القوي” الحاج وفيق صفا وما تلاه من تطورات، والذي كان السبب في تعطيل التحقيق في ملف المرفأ حتى اليوم.

هذه الحادثة التي كانت رداً على محاولة بعض القضاة المحسوبين على التيار العوني، وفي مواكبة منهم ودعم لـ “قبع” القاضي من قبل الحليف وحليف الحليف، الالتفاف على التحقيق وتعيين محقق رديف، أظهرت ضعف هذه السلطة وضيق صدرها ونَفَسها على الرغم من محاولة إظهار العكس، بحيث تُرجم هذا الضعف بإعتقال وليام نون بطريقة “بلطجية” لا تمت إلى العمل القضائي المحترف بأي صلة، عبر نصب فخ له من قِبَل قاضٍ، إتخذ من القانون مطية لـ “تأديب” وليام نون على ما اعتبره تَعَرُضاً له بالشخصي على خلفية جملة “روح بلِّط البحر”.

طبعاً لم يفاجئنا تصرف السلطة وأذرعها، فهي ومنذ ما بعد “الإنقلاب” السوري برعاية أميركية على إتفاق الطائف بإذعان أو لنقل “إضطرار” عربي على خلفية الغزو العراقي للكويت يومها، وهي تمثل سلطة الميليشيات لكن بثياب مدنية، إستولت على الدولة وأتخمتها بأذرع لها في كل المجالات، خصوصاً منها الأمنية والعسكرية والقضائية حتى يسهل عليها التحكم بمسار الأمور في موازاة قوة سياسية وإقتصادية مثلها يومها الشهيد رفيق الحريري، هذه السلطة عادت وكشرت مجدداً عن أنيابها بعد زلزال 2005، فاستعادت زيها العسكري مع بعض التغيير في التحالفات بحيث حلّ “التيار الوطني الحر” كـ “ممثل” للمسيحيين مكان “موارنة سوريا” ما قبل 2005، ودخول “حزب الله” على المشهد كضابط إيقاع للحركة السياسية والأمنية في البلاد بديلاً من النظام الأمني اللبناني – السوري المشترك الذي أطاحت به ثورة الأرز.

سلطة الميليشيات هذه تغوّلت على البلاد والعباد بعد 7 أيار 2008 وأتمت سيطرتها مع إنتخاب “وكيلها الحصري” ميشال عون رئيساً للجمهورية في لحظة تخلٍ، وسقطة سياسية كلفت غالياً إرتكبتها أطراف ما كان يسمى بفريق 14 آذار بدءاً بـ “القوات اللبنانية” وصولاً الى “تيار المستقبل” – بغض النظر عن النوايا التي لا رصيد لها في الحسابات السياسية -، لتنتهي ولايته والبلد كله – وليس السلطة فقط – قد تحوّل إلى جمهورية من زجاج لا تحتمل رشقة حجر، ومع ذلك يراشق المسؤولون عنها غيرهم من الدول الأخرى كما بعضهم بالحجارة، حتى وصل العطب إلى السلطة نفسها على الرغم مما تدعيه من قوة وما تمارسه من بلطجة، فالسلطة التي تطلب النشرة الأمنية لأم الشهيد نون إمعاناً في إذلال الناس، هي سلطة ضعيفة ولاأخلاقية وساقطة مهما طال الزمن، سلطة يطلع علينا فيها وزير لـ”ينوِّرنا” بدل الكهرباء بتصريح أنه “إبن عيلة وكلاس”، فيما هو لا يعدو كونه وزيراً “بدل عن ضايع أو بالأصح ضايعة” أو بصورة أوضح وأكثر فجاجة – وعلى طريقتهم في التعبير – “وزير الست”، ويطلع علينا فيها رئيس كتلة نيابية عنوانها ومسيرتها وفخرها “الوفاء” للخارج، ليخبرنا بأنه يريد رئيساً للجمهورية تكون مصالحه كلها في لبنان، سلطة حوَّلت البلد والجمهورية إلى “عصفورية” يتراشق أطرافها الاتهامات والهرطقات، سلطة تضع “القانون” فوق العدل، و”العدل” فوق الرحمة ما يحوّلها إلى سلطة بلطجية وتشبيح، ويختلف أطرافها على جنس الملائكة، بينما شياطينها تعيث في الأرض فساداً.

إن ما نراه اليوم من موبقات سلطوية وقحة ولامنطقية، ليست في الواقع سوى “مجموعة من الأعراض المَرَضية المتنوعة تظهر إبان حكم الوحوش” التي تحدث عنها الفيلسوف والمناضل الايطالي أنطونيو غرامشي والتي تظهر في الفترة “ما بين موت نظام قديم وتعسر ولادة نظام جديد”، وهو ما نمر به اليوم في لبنان، حيث السلطة القديمة تتلاشى على الرغم من مقاومتها من “حلاوة الروح” كما يقال، التي تُتَرجَم قمعاً وظلماً وتعسفاً بحق الناس البسطاء منهم خصوصاً، وحيث الجديد المرتجى لم يولد بعد، والذي سيولد يوماً ما طال الزمن أم قصر، سواء لأسباب موضوعية داخلية كانت أم خارجية. وما التحقيق الأوروبي القائم اليوم في ممارسات بعض أذرعها إلا مؤشر – ولو غير مؤكد حتى الآن – على ذلك، بحيث لن تجد هذه السلطة “الزجاجية” ساعتها ما تفعله سوى أنها “تبلط البحر” فعلاً لا قولاً، والذي سيجرفها في نهاية المطاف جزاء ممارساتها وحماقاتها، ليرمي بها إلى مزبلة التاريخ بـ”أسيادها” و”عبيدها” سواء الكلاس منهم أو الأدنى رتبة، والتاريخ كما علمنا دائماً لن يرحم مهما غلت التضحيات.

شارك المقال