البطريركية والحكومة… الدستور والثوابت وليس البدع السياسية

هيام طوق
هيام طوق

رأى المطارنة الموارنة في بيانهم الأخير أنّ “التمادي المقصود في شغور سدّة الرئاسة يولّد أزمة دستوريّة على صعيد الحكومة المستقيلة. فوفقاً للتوافق الجاري، واستناداً إلى الاجتهاد والفقه القانوني والنقاش الأكاديمي، لا يحقّ لرئيس الحكومة المستقيلة أن يدعو المجلس الى الإنعقاد من دون موافقة الوزراء، ولا يحقّ له أن يصدر مراسيم ويوقّعها من دون توقيع جميع الوزراء. ومن الواجب العودة إلى الإجتهاد الدستوريّ من أجل تحديد الاطار القانونيّ (لتصريف الأعمال العاديّة) و(الأعمال المهمّة) و(حالات الطوارئ)”. كما لفت البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة الأحد الماضي الى “أننا قلنا منذ اليوم الأول لنهاية العهد، إن هذه الحكومة مستقيلة ومهمتها تصريف الأعمال. ومن واجبها التفاهم حول تفسير تصريف الأعمال لئلا تخلق إشكاليات نحن بغنى عنها. إن عملها محصور بالمحافظة على الحد الأدنى من تسيير شؤون المواطنين الضاغطة ومنع سقوط الدولة نهائياً”.

وعلى الرغم من علاقة الود والاحترام بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والبطريرك الراعي خصوصاً أن الاول ردد أكثر من مرة أن دعوته الى اجتماع الحكومة، يأخذ في الاعتبار هواجس البطريرك وموقفه وسيسعى بالتأكيد الى أن تبقى الحكومة بعيدة عن تأثيراتٍ من هنا وهناك لتحافظَ على استقلاليّتِها كسلطةٍ تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال، كما دعا البطريرك الراعي في عظته، فإن أوساط الرئيس ميقاتي تبدي نوعاً من العتب على مضمون بيان المطارنة خصوصاً أن رئيس الحكومة كان قد قصد البطريرك ثلاث مرات في الديمان وبكركي بعد الشغور، وتفاهما على العديد من النقاط حول عمل الحكومة في هذه المرحلة. وتعتبر أن بيان المطارنة الموارنة مفاجئ، وضد الحكومة في وقت يعقد الرئيس ميقاتي جلسات ببنود ملحة كالكهرباء والاستشفاء والأدوية، ويؤكد خلالها أن “الحكومة من موقعها الدستوري كحكومة تصريف أعمال، ليست في وارد الحلول مكان رئيس الجمهورية أو إعتبار أن البلد يمكن أن يستمر من دون رئيس”.

على أي حال، ماذا يقول المقربون من الكنيسة في هذا الاطار؟ وهل هناك تغيير فعلي في المواقف؟ وما هي أبعاد هذه المواقف وآفاقها؟

أكد مصدر مطلع أن “البطريركية المارونية لا تتدخل في الشؤون السياسية انما هي مؤتمنة على الثوابت والمرتكزات الوطنية السيادية الكبرى، وعلى الميثاق والعيش المشترك وعلى توازن المؤسسات وعلى عدم اختراع بدع سياسية تكرّس كأنها أعراف دستورية، ويشتم منها تغليب فئة على أخرى أو تغليب مصالح فئات على حساب مصالح أخرى. هذا ما تهتم به البطريركية التي تهمها شؤون الناس لكن ليس أن تؤخذ ذريعة لكي يصار من خلالها الى تكريس أعراف جديدة تغير هوية لبنان”، مشبّهاً ما يجري حالياً بـ “انقلاب على الدستور والمبادئ والميثاق التي قام عليها لبنان الحوار والانفتاح”.

وعما يتردد عن تفاهمات بين البطريرك الراعي والرئيس ميقاتي، شدد المصدر على أن “التفاهمات التي حصلت يناقضها تماماً المسار السياسي المتبع الذي يستبعد الاهتمام بانتخاب الرئيس الجدي ليهتم بالمسائل التي تعتبر حيوية بالنسبة الى المواطنين. البطريرك واضح في مواقفه: أولاً، يريد انقاذ لبنان، التعدد والميثاق ولبنان الوطن للجميع. ويحرص على الدستور والمؤسسات. لذلك، توظيف البطريركية المارونية في الزواريب السياسية هو لمصلحة الأطراف المتباعدة في ما بينها بحيث كل طرف يحاول أن يتلطى ببكركي”.

وعن الذين يعتبرون أن مثل هذه المواقف تساهم في الانقسام الطائفي، قال المصدر: “الانقسام الطائفي قائم في البلد، والبطريرك يريد أولاً الخروج من هذه المسرحية وانتخاب رئيس للجمهورية. ثم كأن رئيس الجمهورية لم يعد أولوية كما هناك أمر واقع تحاول القوى الأخرى فرضه على مسيرة البلد السياسية والميثاقية”.

واعتبر مصدر آخر أن “رئيس حكومة تصريف الأعمال يسعى الى تكريس أمر واقع بالاستناد الى ما يريده حليفه حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وهذا الأمر الواقع هو ترسيخ لمبدأ الشغور ومحاولة تصويب أن المشكلة مسيحية في عدم اتفاق الموارنة على اسم لرئاسة الجمهورية في وقت معروف جيداً أن من يعطل النصاب هو الفريق الذي ينتمي اليه الرئيس ميقاتي. اما ما يتعلق بمسألة الصلاحيات، فإن الاجتهاد الدستوري واضح، لكن السؤال يبقى عن أي تسيير يتحدثون في وقت أن الانفلات والانهيار يستمران على كل المستويات ما يؤكد عملياً أن المسألة لا تتعلق بانعقاد مجلس الوزراء بل بضرورة اعادة الانتظام الى المؤسسات الدستورية واعتماد مسار حوكمة سليمة وتحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية واستعادة علاقات لبنان العربية والدولية”.

واذ تحدث عن “مسار تعطيلي تحالفي”، رأى أن “هناك أدواراً تناغمية لمحاولة شد العصب على المستوى المذهبي الطائفي. من هنا، أهمية ألا يبقى الشعب ضحية هذه المأساة الهزلية وألا يكون ضحية تمويه الاشكال الحقيقي الذي ليس مسيحياً – اسلامياً، ولكن وطني بامتياز يتعلق بخطورة تغيير هوية لبنان وتعديل التوازنات في نظامه والانقضاض على فكرة الكيان اللبناني في الحكم التشاركي الذي لو تم اعتماد حوكمة رشيدة فيه وطبقنا الدستور لكنا وفرنا على هذا البلد كثيراً”، مشدداً على أن “من الضروري استمرار الصمود والمواجهة الديموقراطية السلمية بما يعني استرداد الدولة وبناء مؤسساتها على قاعدة سليمة انطلاقاً من الخيار الدستوري الوحيد أي تطبيق كل البنود الاصلاحية في اتفاق الطائف مع استعادة السيادة”.

شارك المقال