ممارسات “حزب الله” لم تترك “للصلح مطرح” مع دول الخليج

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

طلب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله في خطابه يوم الخميس الماضي دعماً بـ 300 مليار دولار من السعودية ودول الخليج، ما أثار الاستغراب والاستهجان، لا سيما وأنه قبل ذلك بأيام استقبل وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان المفترض أن دولته تموّل حزبه وميليشياته ومؤسساته، كما أن دولة الولي الفقيه بخير بحسب ما طمأن نائبه الشيخ نعيم قاسم اللبنانيين الغارقين في مآسيهم التي تسبب بها حزب السلاح الحامي للفساد والتهريب والفاسدين والديكتاتوريين.

نكتة سمجة هي مطلب نصر الله، أقل ما يمكن وصفها كما تردد عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالوقاحة بعد أن تطاول على دول الخليج والدول العربية وهدد أمنها، وتسبب بخسارة لبنان اقتصادياً ومالياً وبإنهيارات سياسية واجتماعية حتى صار دولة فاشلة تتحكم بها دويلة حزبه ومرجعيته.

من الواضح كما يتردد في بعض الوسط السياسي أن نصر الله لا يعرف لبنان على الاطلاق ولا قرأ تاريخه السياسي أو فهم معنى تنوعه وكونه كما قال البابا “لبنان رسالة”، وهو أمر كانت البلدان العربية قد تفهمته سابقاً وعلى أساسه بنت علاقاتها معه، فلبنان كان عربياً في قلب المحيط العربي وارتباطه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي موصول به، وهو من الدول المؤسسة للجامعة العربية ونظامه السياسي الديموقراطي يحظى بالدعم، فكانت له مكانة خاصة ومميزة، قبل أن تهدد هذه العلاقة بفعل مشاريع دولة إقليمية وضعته في مواجهة الأشقاء العرب بسبب هيمنة بعض القوى التي سيطرت على القرار اللبناني وحوّلته إلى منصة لمواجهة الدول العربية لاسيما دول الخليج، وتقديم مصلحة ايران على المصالح العربية، والتي عبرت لتحقيق مشروعها السياسي فوق كيانات دول عربية فدمرتها وجعلتها في موقع التابع فارضة الوصاية عليها سياسياً وأمنياً، معتبرة أنها مجرد ساحات تمتلكها للمساومة عليها مع الغرب في سوق النووي والاعتراف بها كدولة كبرى في الاقليم، وهي عملت طوال سنوات على خلق صراع مذهبي وتأجيجه لتأديب الكتلة السنية، واصطناع تنظيمات ارهابية لمواجهة الدول العربية.

لقد تحقق السلام الأهلي في لبنان عبر بوابة المملكة العربية السعودية التي رعت محادثات الطائف التي أدت إلى وقف الحرب الأهلية وحصلت على رعاية سعودية مباشرة واحتضان خليجي وعربي فتحت على إثره أبواب المساعدات للبناء الاقتصادي والعمراني، لكن التفاوض الأميركي – الايراني آنذاك جعل السعودية تقبل بالنفوذ السوري في لبنان لضبط الوضع الأمني، لكن هذا النفوذ كان يتملص من رعايته عربياً ويحاول الافادة من موقعه لابتزاز العرب ولتحويل لبنان نحو تنفيذ الأجندة الايرانية، ومن هنا حكم بقبضة أمنية فعلية، قبل إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما بعده بات الوضع مفتوحاً على صراع أدى الى إخراج الجيش السوري من لبنان باحتضان غربي وعربي.

كانت إيران حاضرة لملء هذا الفراغ عبر أذرعها فاستخدمت سياسة فرق تسد بين اللبنانيين وسيّرت الأوضاع لمصلحتها عبر تجنيد “حزب الله” الذراع الأمينة لتنفيذ الأجندة الايرانية – السورية، فمنذ العام 2005 استطاع الحزب السيطرة باستخدام التهديد والعنف والاغتيالات، وجاءت التسويات الخارجية التي نفذها باراك أوباما مع ايران لتشعل الضوء الأخضر بالسيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية، التي أدت في النهاية إلى التسوية عام 2016 وسمحت بايصال مرشح ايران ميشال عون الى سدة الرئاسة، وليصبح القرار اللبناني بيدها، وصار “حزب الله” يتحكم بكل مفاصل الدولة كما يتحكم بمفاصل أخرى سبق أن أعلن عنها مستشار الرئيس الايراني السابق حسن روحاني بأن ايران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية ولبنان منها. هذه الساحات إستخدمتها ايران في مواجهة المشاريع العربية عبر تشكيل دويلات داخلها ومنعها من اتخاذ أي قرارات تحمي مواطنيها، وهذا ما رأيناه في سلوك “حزب الله” الذي قاتل في البداية للحصول على الثلث المعطل الذي كان بمثابة إعطاء دويلته حق الفيتو، وشهدنا طوال السنوات السابقة كيف كان التعطيل ممنهجاً في عدم انتخاب رئيس أو في تعطيل العمل الحكومي أو عدم التوافق على تشكيل حكومة ليتحول معه دور الحزب الى مرشد سياسي بشخص أمينه العام.

من هنا سيطر “حزب الله” على ادارة البلاد وخافت القوى الأخرى من مواجهته حتى لا تتكرر تجربة الحرب الأهلية العبثية، ولذلك حاولت بكل الوسائل تدوير الزوايا للوصول الى اتفاقات تحمي لبنان، لكن الحزب كان يعتبر ذلك انتصاراً له واتخذ المزيد من الخطوات لتقويض دور الدولة والسيطرة عليها.

عملياً هذا الموقف أزعج الأشقاء العرب الذين احتضنوا لبنان وكانوا يعملون على توفير كل الامكانات الاقتصادية والمالية وإرسال المكرمات لمساعدة الدولة اللبنانية، وكان “حزب الله” يتقاسمها عبر موظفيه فيها مع بقية القوى الموجودة في السلطة، أما الأموال التي كانت تأتيه من ايران فكان يستثمرها في مشاريع خاصة تقوي قدرة دويلته على مواجهة مؤسسات الدولة وبناء اقتصاد موازٍ للاقتصاد اللبناني.

هذا العمل لم يلاحظه اللبنانيون في البداية لأن الامكانات المالية كانت واسعة ولم تكن هناك انهيارات، الا أن الأمور باتت واضحة منذ العام 2019. ولا بد أيضاً من ملاحظة أنه منذ الانتفاضات التي حصلت في الدول العربية استطاعت ايران كسر الحواجز الجغرافية وفتح الحدود وبالتالي أمّنت لها خطاً من طهران مروراً ببغداد فدمشق وصولاً إلى بيروت، وللسيطرة على هذه البلدان استخدمت الترهيب واختراع مصطلحات لقمع الارهاب الذي كانت تصنعه وتبنيه بيدها وكذلك المواجهة مع اسرائيل التي كانت تبدأها من حمص والبصرة ودير الزور وليس من الحدود مع اسرائيل.

تعرضت الدول الخليجية الى حملات من “حزب الله” تارة بالترهيب والخطف وتارة بالاعتداء على المؤسسات الاعلامية، ما جعلها تشمئز من هذا الواقع ولم تدخل في صراع مباشر وانما حاولت الابتعاد عن المشهد، لكن مع تضخم قدرات “حزب الله” التي منحه اياها الاتفاق النووي الايراني – الأميركي، أصبح في مواجهة علنية مع السعودية ودول الخليج من خلال مشاركته في الحروب في سوريا والعراق واليمن أو من خلال بناء خلايا ارهابية في الكويت أو في دول عربية أخرى، وبالتالي بدأت المواجهة العلنية مع دول الخليج، وانكشف الحزب الذي كان يموّل الميليشيات ويدربها لكونه جزءاً من مشروع ولاية الفقيه التي تحاول ايران تعميمه عبر أذرع قاسم سليماني التي تمولت وتسلحت بالأموال التي بدأت تصلها من ايران إثر الاتفاق النووي، وكان للبنان حصة كبيرة وأصبحت مهمة الحزب تدريب المعارضين لدول الخليج وجلب الميليشيات الشيعية من باكستان وسوريا وأفغانستان واليمن لتدريبها في معسكرات الحزب في لبنان أو القلمون وزجها في حروب الاقليم بما ينفع ايران وحلفاءها في إعداد ميليشياتها لمواجهة دول الخليج. ومن هنا بات لبنان بؤرة معادية فعلياً للخليج العربي لاسيما بعد احتضان معارضين خليجيين واقامتهم المنابر الاعلامية لمهاجمة أنظمة اليمن والبحرين ودول الخليج الأخرى وعقد مؤتمرات تتخذ قرارات في مواجهة السعودية تحديداً، بينما لم تتخذ الدولة اللبنانية أي قرار يدين هذه الممارسات. بدا الخليجيون مستائين من التصرفات غير المسؤولة فلم يكن هناك لا حسيب ولا رقيب، وحاول “حزب الله” الافادة من استقالة الرئيس سعد الحريري في الرياض واستغلالها لاستهداف الطائفة السنية والعبث بالعلاقة مع المملكة والتحريض ضدها، حتى جاءت التسوية الرئاسية ليطلق بعدها العنان للمواجهة معها، والجميع يعلم أن ميشال عون كان الرئيس اللبناني الوحيد الذي لم تقدم له دعوة لزيارة المملكة، وليس الأمر مستغرباً لأن السعودية ودول الخليج كانت تعتبره رئيساً شكلياً ينفذ أوامر “حزب الله”، ثم حصلت القطعية مع دول الخليج العربي بما فيها العلاقات الديبلوماسية وصارت هذه الدول تتعامل على قاعدة أن لبنان لم يعد موجوداً بالنسبة اليها وهي غير معنية بتأمين أي دعم لهذا البلد الذي أصبح منبراً لمواجهتها.

اليوم تظهر بصورة واضحة بالنسبة الى اللبنانيين أهمية عودة دول الخليج والاحتضان العربي للبنان، لا سيما وأن “حزب الله” يحاول القول ان الأزمة الحالية سببها الحصار العربي والأميركي والغربي، وهو أمر ناتج عن الموقف الخليجي الواضح والموحد بعدم قبول رئيس يفرضه الحزب، أو القبول بتسوية تأتي بمرشحه، وهذا ما كان واضحاً في البيان الثلاثي السعودي – الفرنسي – الأميركي، فالمملكة لن تقبل رئيساً يغطي “حزب الله” الذي يستخدم لبنان لتهريب المخدرات اليها لتبييض الأموال واقامة المؤتمرات وبناء المؤسسات الاعلامية لمهاجمتها وأيضاً تدريب عناصر خليجية وارسالها الى الخليج، فهي قالت بأن المصلحة العربية فوق كل اعتبار وأن أي اعتداء على هذه الدول معناه الاعتداء على السعودية. إذاً، المواقف واضحة وهي تفرض نفسها على الرغم من أن اعلام 8 آذار والموالين لـ”حزب الله” يقولون الكثير من الأمور والترويج بأن الفرنسسين يوافقون على سليمان فرنجية أو جبران باسيل والأميركان لم يمانعوا ويحاولون تسليط السيف على السعودية وأحياناً يستغلون أن ليس لديها فيتو على أحد، الا أن من الواضح أن الكلام السعودي يعني أن الأمن العربي والمصلحة العربية بالنسبة اليها فوق كل اعتبار ولبنان بلد عربي يجب احتضانه وعودته الى الحظيرة العربية والدولية وبالتالي لن يترك لبنان لايران و”حزب الله” من أجل أستخدامه ساحة أو بريد رسائل.

شارك المقال