لبنان وحكم “البجم”

الراجح
الراجح

كل بلد في العالم لا بد أن تفهمه لكي تستطيع إدارة سياسته، لكن لبنان أعقد من أي بلد غيره. لبنان تركيب بالغ التعقيد. دعك من كل ما يقولونه عن تباين الجذور العائلية لشعبه وتعددها وتقاربها، وعن اختلاف الطوائف والديانات، كل هذه قضايا يمكن أن يُقال فيها حتى نهاية الزمن. هذا غير ضروري الآن، المهم هو استيعاب “روح لبنان” التي تكونت من هذا التباين والتعدّد والتضارب. كثيرون لم يفهموا أن الاعتراف والتسليم بمكوّنات “روح لبنان” يفرض علينا في حكمه ضرورة “التراضي” وإلا حدث الانقسام والانشقاق. “التراضي” يعني الاعتراف بالتنوع والوصول إلى قاسم مشترك وقبول بهذا “التراضي” وإلا كان لبنان في خطر.

البعض يسأل ويقول لماذا لا يحكم لبنان على الرّغم من تنوع الرئاسات منذ العام 1920 وحتى زمننا الحاضر؟

الرد ببساطة لأن لبنان هو من يحكم كل هؤلاء. وما جدوى أن “تحكم” ثم لا يعود هناك “لبنان” على الاطلاق؟

نستطيع أن نترجم “التراضي” بتعبير آخر هو “الديموقراطية” أي أن الشرط الديموقراطي ضروري ليس كحق لشعب لبنان فقط، ولكن كضرورة لاستمرار وحدته أيضاً.

“التراضي” لا بد بعده من “حزم” في فرض ما استقر عليه الرأي الغالب، ولا بد من أن توجد وسيلة لتأكيد احترام الرأي الغالب، وإلا فإن أيّة أقلية تستطيع أن تكسر وحدة الوطن. المعادلة صعبة لكنها ليست مستحيلة، وإن كانت مكلفة.

سؤال إلى “حزب الله” وبعض القوى الأخرى بصفة عامة: هل تهمكم مسألة السيادة، أم تهمكم السلطة على رعاياكم؟ وأما السيادة فأنتم على استعداد لتسليمها الى راعيكم ما دام يضمن لكم السلطة! أليس هذا ما حدث ويحدث في تاريخنا القريب؟

الفقر والقهر كسرا شيئاً ما في الناس، عامة الناس. إحساس المواطنة أصيب بشرخ. نظام السيطرة تعامل مع الناس بموظف الدولة ومحصل الضرائب ورجل الأمن وهؤلاء جميعاً لم يغتصبوا في زمانكم عمل الناس فحسب، ولكنهم سرقوا شجاعتهم وسرقوا قدرتهم على العمل الجماعي وعلموهم الخضوع والرضا بالهوان ثم القبول بالقدر كيفما جاء.

في التراث العربي نجد الكثير من التعابير لوصف أوقات مماثلة طغت فيها كالهوام طبقة رثّة من الأغنياء والفقراء، من الحكام والمحكومين يطغون كالهوام على روح المجتمع. هؤلاء من يسميهم أهل العراق بـ”القراد” نسبة الى الأغنام المصابة بهذا المرض. ويسميهم أهل مصر “البجم” أو “الحوش”، وفي بلاد الشام هم “الزعران”. أما في التراث العربي فاسمهم “التحوت” نسبة لـ”تحت” وهم في الحقيقة تحت التحت، وذلك نسبة الى انحطاطهم في قعر المجتمع يشدون على البقية لإنزالهم الى هذا القعر.

شارك المقال