التحقيق الداخلي عاجز والدولي صعب… هل دفنت الحقيقة في المرفأ؟

هيام طوق
هيام طوق

ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، فجّر الجسم القضائي في لبنان، وأدى الى تشظيه بشكل لم يعد بالامكان ترميمه، وما حصل منذ الاثنين الماضي أي منذ أن قدم المحقق العدلي القاضي طارق البيطار دراسته القانونية لعودته الى متابعة القضية بعد مرور أكثر من سنة على كف يده، اذ ادعى على النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات وعلى قضاة آخرين وغيرهم في مواقع مدنية وعسكرية مهمة، ثم أتى الرد من القاضي عويدات بإطلاق جميع الموقوفين في قضية انفجار ‏المرفأ من بدون استثناء ومنعهم من السفر، واستتبع ذلك بادعائه على البيطار أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وقرر منعه من ‏السفر، خير دليل.

ومن دون الدخول في التفسيرات والاجتهادات القانونية التي قسمت اللبنانيين بين فريقين، منهم من يؤيد عويدات ومنهم من يؤيد البيطار، فإن الحقيقة الثابتة الوحيدة أن صورة القضاء اللبناني وهيبته قد انكسرتا، وبعد أن كان القضاء العمود الأساس لاستمرار البلد واقفاً على رجليه في ظل الأعاصير التي تضربه، التحق بالمؤسسات التي تعاني من الاهتراء والتفتت والتحلل، ولم يعد محط ثقة لدى اللبنانيين على اختلاف اصطفافاتهم. وبالتالي، فإن كل ما يجري يؤكد أن القضاء اللبناني وصل الى حائط مسدود في ملف المرفأ، ولم يعد بإمكانه متابعة التحقيق في ظل هذا الانقسام الحاد، والتخلي عن المسؤوليات من أجل تناتش الصلاحيات ما يعني أن الامور تقترب أكثر نحو التحقيق الدولي، وهذا ما يطالب به أهالي ضحايا المرفأ، ويعملون في هذا الاتجاه منذ مدة.

وهنا لا بد من التساؤل: هل طويت صفحة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بعد كل ما جرى داخل الجسم القضائي؟ وهل يمكن الاستعانة بتحقيق دولي؟ وما هي الآليات التنفيذية لذلك؟ وهل يمكن أن يصل الى نتيجة تظهر تفاصيل ما حصل، ويدين المرتكبين؟

قال رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “الطبقة السياسية الحاكمة، تربح على الشعب وعلى المؤسسات في جولات غير منتظرة لأننا نخرق ببعضنا. السلطة كانت تنوي تدمير العدلية وايقاف تحقيق المرفأ، واستطاعت خلق حزازيات بين قاضي التحقيق ومدعي عام التمييز ما فجّر قصر العدل. في تفجير المرفأ هناك مئات الضحايا وآلاف الجرحى والمتضررين اما اليوم في تفجير العدلية، فيعدمون 5 ملايين لبناني، ويعدمون أمل الشعب بأكمله، بدولة القانون، وهنا تكمن الخطورة. ومن يتخذون التدابير في العدلية، لا يعون هذا الأمر، وأصبحت الأمور تسير على قاعدة من الأقوى”، مشددا على وجوب “التروي ورؤية المشهد من بعيد ومعرفة حقيقة ما يجري. من يريد تعطيل التحقيق حقق هدفه اذ أراد ضرب العدلية وتقسيمها على بعضها لأنه لا يريد أن يعيش في دولة القانون. اليوم الكل يخطئ، وتداخلت الأمور ببعضها البعض، ولم يعد هناك مجال لتطبيق القوانين. علينا العودة الى الوراء، ورؤية المشهد عن بعد بموضوعية لتقويم ما يحصل.”

ورأى أنه “لا يمكن القول ان صفحة التحقيق بانفجار المرفأ طويت، لكن ما يحصل اليوم كأننا رمينا طفلاً في مغطس المياه، ولا يزال هناك امكان لانقاذه من الغرق. عدو القضاء هو الذي لا يريد أن تظهر حقائق معينة. كان واضحاً منذ اليوم الأول أن التحقيق اللبناني لن يصل الى نتيجة حين وعدونا بأنه خلال 5 أيام ستنكشف الحقيقة. كانت الوعود تهدف الى ابقاء التحقيق تحت سيطرة الطبقة السياسية بواسطة رجال هذه السلطة في القضاء”.

وأوضح صادر أن “التحقيق الدولي يجري اما بطلب من الدولة اللبنانية، وهذا من رابع المستحيلات حالياً، واما يرى مجلس الأمن أن الدولة أصبحت دولة فاشلة. وبات من الواضح أن القضاء اللبناني لن يصل الى نتيجة في تحقيق المرفأ، وبالتالي يمكن لمجلس الأمن أن يصدر قراراً بالتدخل انطلاقاً من أن الأمر قد يشكل خطراً على السلم والأمن العالميين من خلال لجان تقصي حقائق ولجان تحقيق دولي. التحقيق الدولي بقضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري انتهى خلال سنتين ووصل الى نتيجة بالأسماء، والمحاكمة استمرت 15 سنة، وبالتالي، التحقيق الدولي بانفجار المرفأ يمكن أن ينتهي خلال أشهر”.

وأسف رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية” محمد زكور لـ”الدرك الأسفل الذي وصل اليه القضاء والقضاة في لبنان اثر الاجتهاد الخنفشاري الذي أتحفنا به البيطار إن لجهة وضع نفسه في مصاف الأشخاص الذين لا يجوز المس بهم، أو لجهة قرار مدعي عام التمييز الذي وضع نفسه مكان المحقق العدلي ليخلي سبيل من أوقفهم البيطار، وذلك ضرب لأبسط الاجراءات القانونية. المحقق العدلي منوط به حصراً ترك أو اخلاء سبيل الموقوف الذي أوقفه. إن كنا سنتغاضى عن كل ذلك، فإننا ننعى القضاء اللبناني، وننعى قضية المرفأ، لكن في هذا الاطار لا يجوز أن نتشاءم بل لا بد بعدما وصلت الأزمة الى ما هي عليه اما أن يتنحى البيطار من تلقاء نفسه، واما تسرع غرف محكمة التمييز برؤساء الغرف الموجودين الى البت برده وليعين محقق عدلي جديد، وتستأنف التحقيقات كرمى لدماء الشهداء”.

اما بالنسبة الى من ينادون بإحالة القضية على تحقيق دولي، فاعتبر زكور أن “هناك عدم جدوى قانونية لأن الجريمة قد مضى عليها قرابة 3 سنوات، وبالتالي، اندثرت المعالم كما الدلائل، وان كان سيعتمد على تحقيقات القضاء اللبناني، فليكمل هذا القضاء تحقيقاته. وفي كل الأحوال، لا شيء يمنع من احالة الأمر على القضاء الدولي، وذلك يتطلب قراراً من مجلس الوزراء كما حصل سنة 2005 في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لأن مجلس الوزراء نفسه هو الذي قرر وفق القانون إحالة قضية المرفأ على المجلس العدلي، وبالتالي، له وحده الحق بطلب تدويل القضية ومساعدة القضاء الدولي اما عبر لجنة تقصي حقائق أو عبر احالة القضية برمتها على المحاكم الدولية كالمحكمة الناظرة في جريمة اغتيال الحريري. لكن، في ذلك ضعف من ناحية النتيجة لأننا نتحدث عن قضية قد أكل عليها الدهر وشرب”.

اما بالنسبة الى من يقولون ان هناك ثمة اجراء قد يتخذه مجلس الأمن للتدخل عنوة واجراء التحقيق بقضية المرفأ، فأكد زكور أن “هذا الرأي مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه من ناحية القانون الدولي، مجلس الأمن لا يتحرك الا بناء على قرار وتصويت ذاتي منه اسناداً الى أي حادثة تمس بالسلم والأمن العالميين أي اذا كانت هناك ثمة حرب بين دولتين قد تؤدي الى حرب عالمية أو ثمة نزاع قد يؤدي الى المس بالأمن والسلم الدوليين، عندها فقط يتدخل مجلس الأمن، خارج ذلك، لا يستطيع ولا يحق له ضرب مبدأ الصلاحية الاقليمية والقضائية للدول بأن يضع يده على تحقيق جارٍ ضمن دولة واحدة. الوفد القضائي الأوروبي الذي زار لبنان مؤخراً لم يتجرأ على البحث في قضية المرفأ مع أنه التقى البيطار الذي لم يعطه أي شيء انما أتى بناء على دعاوى قائمة في بلدانهم. من أهم مبادئ القانون الدولي استقلال الدول وسيادتها، فلا تستطيع أي جهة أن تأخذ تحقيقاً جارياً في بلد ما عنوة عنه. مجلس الأمن يتدخل بتصويت 9 من أصل 15 عضواً من دون أي فيتو في المسائل التي قد تمس بالأمن والسلم الدوليين”.

شارك المقال