المساس بمقدسات الأديان تطرف وتحريض على الكراهية

السيد محمد علي الحسيني

تواجه المجتمعات الإنسانية العديد من التحديات في ضوء التنوع الثقافي والديني والفكري والحضاري الذي جعلها تعيش في بعض الأحيان حالات من الصراعات والصدامات، دفعت البعض الى أن يكتب عن صراع أو صدام الحضارات، وهذا الوضع لا شك يهدد الوجود والاستقرار الإنساني، ومن أخطر مظاهرها تصدر العنف والتطرف المشهد الذي تسبب بتنامي مشاعر الكراهية بين الشعوب، وما رأيناه مؤخراً من حرق بعض الشواذ في السويد وهولندا للمصحف الشريف في مشهد يندى له جبين الإنسانية، هو فعل يعكس تطرفاً وحقداً مرضياً غير مقبول لما له من تداعيات خطيرة على علاقة الشعوب ببعضها، خصوصا أن الثقافات والأديان أصبحت متمازجة ومتداخلة في المجتمعات نفسها، ومحاولة التسبب بأذية مشاعر الآخر هي سلوك غير حضاري يستدعي مواجهته بالحكمة وبالطرق السلمية كافة لوضع حد له.

الاسلام يرفض مواجهة العنف بالعنف 

يعتقد بعض المسلمين أن الحمية والانفعال الحماسي والقيام بردات فعل مشابهة لتلك التي قام بها أولئك الذين أحرقوا المصحف الشريف في السويد وهولندا هي جهاد ودفاع عن الإسلام، لكننا نؤكد أن الإسلام على العكس من ذلك تماماً، فهو يرفض استخدام العنف كسبيل للرد على تصرفات البعض الخاطئة. ومن هنا ندعو إلى عدم الانزلاق والرد بالكيفية نفسها، لأن ديننا دين محبة وسلام، ويجب أن نحسن تمثيله، ويكفينا دعوة الله لنا في محكم تنزيله أن نتخذ سبيل الحسنى في المعاملات، فقد قال عز وجل: “ولا تستوي الحسنةُ ولا السيئةُ ادفع بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينكَ وبينُه عداوةٌ كأنَه وليٌ حميمْ”. ومن المهم أن يبتعد المسلم عن ردات الفعل الانفعالية، التي قد تنعكس سلباً على صورة الإسلام والمسلمين، بل إن التحلي بالحكمة في مثل هذه الظروف أمر لا بد منه، فالمسلم عندما يدافع عن دينه، يجب أن يكون على قدر من الوعي وحسن التصرف، حتى إن الله تعالى قال في محكم تنزيله: “لا تسبوا الذين يدعونَ مِن دونِ اللهِ فيسبوا اللهَ عَدوا بغير علمٍ”. لذلك، فعلى المسلم أن لا يقابل السيئة بالسيئة والعنف بالعنفِ، لأن ذلك لنْ يخدم أهداف الإسلام ومبادئه التي تدعو إلى احترام معتقدات الآخر، ويرسخ قيم المحبة والتسامح تحت عنوان “ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.

أتباع الأديان مطالبون بالتحرك لوضع حد للتطرف

إنَ ما يقومُ به بعض الشواذِ في السويد وهولندا من حرق للمصحف الشريف هو عمل غير إنساني مرفوض جملة وتفصيلاً، وما حدث ويحدث هي أفعال لو لقيت ممانعة دينية وقانونية لما أقدم مرتكبوها على ذلك، فالسكوت عليها من الجهات الرسمية باسم حرية التعبير هو بمثابة تبرير لها بل والتشجيع عليها، وهذا لا شك أمر في منتهى الخطورة، لأننا نحن كرموز دينية صحيح أننا ندعو المسلمين إلى عدم الانجرار للرد بعنف، لكن من الصعب على المسلم أن يرى مقدساته تحرق ويلتزم الهدوء، لأن العمل هو جريمة استفزاز لمشاعر المسلمين في كل العالم. لذلك، نحن ندعو أتباع الأديان في كل مكان الى وضع حد لهذه الجريمة، التي تمس بمعتقدات المسلمين ومقدساتهم، وضرورة تحريمها دينياً وتجريمها قانوناً، لأن هذا الفعل يحرضُ على التطرف ويغذي مشاعر الكراهية، بل نحن جميعاً مدعوون الى العمل بوثيقة مكة المكرمة التي جمعت كل أتباع الأديان للاتفاق على رؤية واحدة بندها العريض رفض كل مظاهر العنف والتطرف، ونبذ خطاب الكراهية والدعوة إلى المحبة والتسامح والانفتاح لتحقيق السلام والاستقرار المجتمعي.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال