أهالي سجناء طرابلس: نرفض اطلاق موقوفي المرفأ والكيل بمكيالين

إسراء ديب
إسراء ديب

يخشى أهالي السجناء الموقوفين الطرابلسيين على مصير أبنائهم المعلّق خلف أسوار سجن رومية. وبين سيناريو الانتحار داخل السجون أو إعلان العصيان بعيداً من الاعلام وتغطياته الغائبة أساساً عنها، يعيش أهالي طرابلس معاناة كبيرة ضاعفها إعلان المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إخلاء سبيل الموقوفين في قضية تفجير مرفأ بيروت “من دون استثناء”، الأمر الذي أشعل الغضب بينهم فتوجهوا مباشرة إلى دار الفتوى في طرابلس للحديث عن سياسة “الكيل بمكيالين” التي يرونها معتمدة ومتعمّدة أيضاً ضدّ أهالي المدينة وأبنائها.

واستقبل مفتي طرابلس والشمال الشّيخ محمّد إمام في مكتبه في دار الفتوى أهالي السجناء الموقوفين من أّبناء طرابلس، واستمع إلى شكواهم ومعاناة أبنائهم في السجون. وإذْ اعتبر المتابعون أنّ هذه الخطوة كانت صرخة تُطلق من هذه الدار لتصل إلى مسامع السياسيين لا سيما السنّة منهم، دعا إمام السياسيين إلى الامساك بهذا الملف لاخراج الموقوفين المظلومين الذين زجّ بعدد كبير منهم من غير وجه حقّ في السجون، التي طرح حقوقيون أخيراً عرض قضاياها على المجتمع الدّولي عبر تدويل القضية، من خلال إعداد كتاب بعنوان “نقص الوسائل ليس عذراً لنقص الإرادة”، مرفقاً بالاثباتات والدلائل وأرسل إلى المقرّرين الخاصين لدى الأمم المتحدة.

قد يرى البعض أنّ ما قام به الأهالي لا يزيد عن كونه ردّ فعل غاضباً من عائلات تقلق على مستقبل أبنائها الذين زجّ بالكثير منهم في السجون ظلماً منذ أعوام، لترضخ لمسار قضائي مجهول تارة ومسيّس تارة أخرى. ولكن وفق ما تُؤكّد أوساط طرابلسية لـ “لبنان الكبير” فإن “إطلاق موقوفين في قضية هزت الشارع اللبناني والعالم من دون معرفة الحقيقة، لن يمرّ مرور الكرام لدى الأهالي الذين سيتقبّلون ويتعايشون مع السياسة الممنهجة ضدّهم من الرسميين، لكنّهم سيكونون فتيلاً يُمكن إشعاله في أيّ لحظة، نظراً الى كبتهم إهمال الدّولة لهم وتغطيتها المسؤولين عن هذه المهزلة الموجودة منذ أعوام، فمن حقّهم الخوف على ذويهم في سجن لا يحترم حقوق الانسان، خصوصاً بعد عمليات انتحار عدّة وحالات وفاة وصلت إلى 23 شخصاً خلف القضبان في أقلّ من سنة بسبب الاهمال الطبّي والغذائي الكبير”.

في الواقع، يُقارن أهالي السجناء الطرابلسيين قضيتهم بقضية المرفأ، فإذا كانت العاصمة واجهت تفجيراً واحداً قضى على مختلف مقوّمات العيش فيها، فإنّ عائلات الموقوفين تشعر بالموت ألف مرّة يومياً بسبب الواقع المأساوي أو الكارثي الذي يُواجهه الشبان خلف القضبان السجنية من دون حسيب أو رقيب يحدّ من هذه الأزمة التي “بحّ صوتنا ونحن نطالب بإنهائها، لكنّ إطلاق سراح موقوفين متورّطين في التفجير وقمع أبنائنا في السجن ومعظمهم بريء من التهمة الموجهة إليه لا يمتّ الى العدالة بصلة”، حسب ما يقول عدد من الأهالي لـ “لبنان الكبير”.

وفي حديث مع عدد من عائلات الموقوفين الطرابلسيين، لا تخفي أيّ منها الرغبة في تصعيد الموقف، لا سيما بعد قضيّة انتحار السجين محمود الحسن في المبنى “ج” داخل سجن رومية، والتي أثارت حالة من الهلع بين الأهالي من جهة، وفكّ أسر موقوفي المرفأ من جهة ثانية، وهذا ما يُفسّر توجههم إلى المرجعية الدينية والسنّية الأولى شمالاً، للتأكيد على أمرين أساسيين: أولاً، إنّ الأهالي لا يخرجون عن “المألوف” المعتاد، ولا يرغبون في التخلّي عن “العباءة” السنية والتغطية الدينية وأهمّية ربطها بقضية أبنائهم الذين زج بالكثير منهم في السجون بسبب صورة لشيخ أو أنشودة دينية أو “لحية” بلا اتهام واضح أو قضية تُدينهم مباشرة، ما دفعهم إلى التوجه مباشرة إلى دار الفتوى والشيخ إمام لوضعه في الصورة من جديد. وثانياً انّهم يُحذرون المعنيين بتحرّكهم هذا من غضبهم عبر الاشارة إلى أنّهم في حال “اليقظة” ولم تأخذهم حال الغفلة عن ملف ذويهم المتورّطين باتهامات أبرزها مرتبط بالإرهاب، الأمر الذي دفعهم إلى التحدّث بصراحة عن ألمهم الذي شعروا بسببه بالغبن الطائفي المرتبط بتهميش الطائفة السنية وأبناء طرابلس المقصود والقائم على مبدأ “ناس بسمنة وناس بزيت”.

واقع مأساوي

لا تُخفي أم عمر قلقها على نجلها المسجون في قضية أحداث جبل محسن وباب التبانة منذ 7 أعوام في مبنى “ب”، وتقول لـ “لبنان الكبير”: “ابني (33 عاماً) الذي هرب 5 أعوام وسجن 7 في سجن رومية، عانى من كورونا مرتين كما من جرثومة في المعدة ولم يعالج حتّى بحبّة بنادول، مع غياب الامكانات الطبية اللازمة وغياب التغذية الأمر الذي يدفع الكثير من أبنائنا إلى التفكير بالموت. والآن أشعر بالقلق على صحته خصوصاً وأنّني لم أتمكّن من زيارته منذ 8 أشهر، فنحن من باب التبانة ولا مال لدي ولا طعام يُمكنني نقله إليه والدكانة في رومية باهظة للغاية”.

وإذْ تصرّ على عجزها عن القيام بأيّ خطوة مع غياب دور السياسيين شمالاً “والذين رأوا كيف يتمّ إخراج الموقوفين من سجنهم بانتهاك قانوني واضح”، تُؤكّد أنّ ابنها الذي يتحدّث معها عبر الهاتف يُعبّر دائماً عن تعبه ورغبته في الخروج من السجن.

وتُضيف: “في كلّ فترة كان يزج بأحد أبنائي في السجن ويخرج ببراءة وذلك لأنّني لم أترك الشارع ولم أستسلم يوماً لقهرهم، القائم على براعتهم في تركيب الملفات بعيداً عن العفو العام وغياب المحاكمات في الفترة الأخيرة”.

وتتوجه الى ابنها بالقول: “سيُنصفنا الله في الآخرة إن لم ننصف في الدنيا التي عليك أن تكون فيها من الصابرين، وأتمنى رؤيتك على خير من جديد بعد تأكيد براءتك من التهم والملفات الموجهة إليك لكن لا عدالة تحكم في البلاد”.

بدورها، ترى أم عمر (من أبي سمراء) وهي والدة أحد المسجونين في مبنى “ج” حيث وقعت عملية الانتحار، أنّ وضع ابنها (19 عاماً) حساس للغاية، مؤكّدة حصول حالات اعتداء من بعض المساجين على آخرين بالسكاكين ووقوع إشكال كبير داخل المبنى بعد عملية الانتحار تحديداً، ما أرعب نجلها الذي تحدّث معها ونصحها بعدم الحضور إلى السجن من جديد “لأنّ الوضع غير مطمئن”.

ومنذ 3 أشهر ونصف الشهر، أوقف هذا الشاب الذي تُشدّد والدته على أنّ لا علاقة له بالإرهاب، وتقول: “لم نعرف التهمة كاملة، لكن ما حصل يُشبه عملية الاختطاف من محلّه فجأة، وبعد محاولات وبحث علمنا أنّه تمّ توقيفه بعد أسبوع، وبمرور 14 يوماً توجه والده إلى رومية لنجد أنّ ابننا قد تعرّض للتعذيب بسبب صور دينية وأناشيد على هاتفه، كما علّق كالفروج للاعتراف بجريمة لم يرتكبها وليعيش في سجن لا يُطعم سوى الشوربة أو المجدّرة الجافة التي لا تحتوي على أيّ عناصر غذائية، أو معكرونة بالمياه يأكلونها مرغمين في مساحة لا تدخلها الشمس، في وقتٍ يعيش المجرم الحقيقي خارج السجن بلا عقاب وهذا ما رأيناه في ملف المرفأ”.

شارك المقال