“التحقيق الممنوع”… رسالة سياسية وقضائية متلفزة

زياد سامي عيتاني

تزامن عرض الفيلم الوثائقي بعنوان “حزب الله والتحقيق الممنوع” على قناة “فرانس 5″ الفرنسية الرسمية، الذي عمل على إعداد مواده ووثائقه كلٌّ من صوفيا أمارا وجيروم فريتيل، والمتعلق بجريمة العصر المزلزلة، جراء الانفجار الأقوى (غير النووي في العصر الحديث)، الذي دمّر ثلث بيروت ومرفأها، مع الذكرى الثانية لاغتيال الناشط السياسي والمعارض الشرس لـ”حزب الله” لقمان سليم، الذي اتهم قبل شهر من تصفيته عبر قناة “الحدث” الحزب بالتورط مباشرة في إستيراد نيترات الأمونيوم، التي تسبّبت بالإنفجار “المزدوج” (!) في 4 آب 2020.

وبحسب الحملة الاعلانية الترويجية للفيلم، الذي أخرجه جيروم فينزا والصحافية صوفيا أمارا، والمؤلف من ثلاثة أجزاء، تمّ الكشف عن أنّه سيتضمن حقائق جديدة ودامغة عن تفجير مرفأ بيروت وعلاقة “حزب الله” به، مقروناً بإفادات لضباط المخابرات الأميركية كيف تسلّلوا إلى داخل الحزب، وحصلوا على معلومات سريّة للغاية، وأقنعوا قادته بالتحدّث أمام الكاميرا، بعدما تمكّن مسؤولون أميركيون من اختراق المراتب العليا للحزب. في مقابلة مع قناة “TV5 Monde Info”، أكّد المسؤولون عن العمل، أن الفيلم استغرق عامين من التحقيقات في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة وأوروبا.

ومن المقرر أن يكشف الفيلم بأجزائه الثلاثة عن علاقة “حزب الله” المباشرة بنيترات الأمونيوم التي تمّ تخزينها في العنبر رقم (12) في مرفأ بيروت، والأغراض التي كانت تستخدم من أجلها، مدعوماً بحجم كبير من المقابلات والوثائق والملفات السريّة التي حصل عليها منتجو الفيلم.

وفي موازاة ذلك، ذكرت “إندبندنت أرابيا” أن الفيلم الوثائقي سيكشف عن تحقيق أميركي يثبت تورّط “حزب الله” في تهريب المخدرات وغسيل الأموال في أميركا اللاتينية، من خلال تحقيق أجرته إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة على مدى عشر سنوات، وتمكّنت من الكشفت عن كارتيل الكوكايين التابع للحزب في كولومبيا.

إذا كان توقيت عرض الفيلم تزامن “رمزياً” مع ذكرى اغتيال الناشط لقمان سليم، فإنّه يتزامن مع حدثين بالغين:

– ديبلوماسي، يتمثّل في اللقاء الخماسي الذي ستستضيفه باريس اليوم، للبحث في مخارج للبنان من مأزقه الرئاسي وأزماته السياسية والاقتصادية.

– قضائي، وهو ذو صلة مباشرة بتحقيقات تفجير مرفأ بيروت، بحيث سيشهد قصر العدل فصلاً جديداً اليوم من المواجهة المفتوحة بين النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي في ملف تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار (المكفوفة يده) والذي فاجأ الأوساط السياسية والقضائية بتوقيت عودته الى ممارسة مهامه القضائية، وإعادة فتح ملف التحقيقات التي بدأها بشأن الانفجار، سنداً لمطالعة قانونية (شارك قضاة فرنسيون في إعدادها)، إعتبرت كف يده عن القضية غير قانوني.

إذ أنّ الاثنين 6 شباط، هو تاريخ اليوم الأول الذي حدّده البيطار للبدء بإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين كبار أثبتت تحقيقاته أنّهم يتحملون بصورة متفاوتة المسؤولية الجرمية عن الانفجار.

فقد ذكرت مصادر قضائية أنّ البيطار سوف يصدر مذكرات توقيف على دُفعتين، في 6 و8 شباط الجاري، ضدّ رئيس الحكومة السابق حسان دياب، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، والقاضي عويدات وأحد القضاة. مع ضرورة الاشارة في هذا السياق الى أن عويدات إدعى في 25 كانون الثاني على البيطار أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وقرّر منعه من السفر.

وفي 26 كانون الثاني، أرسل عويدات نسخة من الإدعاء الصادر بحق البيطار، إلى رئيس هيئة التفتيش القضائي. كما أصدر قراراً بعدم استلام أيّ قرار أو تبليغ أو مستند من البيطار “كونه مكفوف اليد”.

لا شكّ في أنّ هذه الفوضى القضائية التي صدّعت الجسم القضائي، في خطوة غير مسبوقة، تبدو مقبلة على الفصل الأشدّ تفجّراً وخطورة بين القاضيين المتصارعين، وسط مخاوف موضوعية من تصاعُد المواجهة بينهما، على خلفيّة التأييد والحماية والمواكبة السياسيّة لكلّ منهما، في وقت أفادت معلومات إعلامية نقلاً عن مصدر في جهاز أمن الدولة، أنّه في حال سطّر المدعي العام التمييزي مذكرة إحضار بحق البيطار، فإنّ المديرية العامة لأمن الدولة سوف تتقيّد بالاجراء وتنفذ المذكرة.

أمام هذه المشهدية الجديدة على الصعيد المحلي، وبالتزامن مع تطوّر إقليمي بالغ الخطورة تمثّل في الغارة الاسرائيلية على أصفهان بضوءٍ أخضر أميركي، إضافة إلى التصعيد الأوروبي تجاه طهران، السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: هل تغيّرت قواعد اللعبة في المنطقة، لجهة تحجيم الدور والنفوذ الايراني وأذرعه في البلدان التي له فيها نفوذ وازن، وتحديداً لبنان؟

ليس من جواب واضح وحاسم حيال ما سوف تؤول إليه الوقائع المتسارعة بكلّ تعقيداتها وتداخلاتها، لكن المراقبين والمتابعين المحايدين يرون أنّ المنطقة مقبلة على متغيرات من شأنها نسف المعادلة القائمة، من دون أن تتحدّد وجهة هذا التغيير، إذا ما كان عبر القنوات الديبلوماسية، أو من خلال اللجوء إلى التصعيد بأوجهه المتعدّدة الجوانب والأبعاد.

شارك المقال