الارتجاجات السياسية تشطر “الفالق” القضائي من دون زلزال

زياد سامي عيتاني

أخذ الصراع القضائي الذي بلغ ذرة توتره منذ أسبوعين، على خلفية التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت، منعطفاً جديداً قد يعيد خلط الأوراق، وذلك بعدما قرر المحقق العدلي طارق البيطار وبصورة مفاجئة على غير المتوقع، تأجيل الجلسات المحددة للاستماع إلى عدد من السياسيين ومسؤولين أمنيين وقضاة على رأسهم النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، من دون تحديد مواعيد جديدة.

وعلى الرغم من تبرير البيطار خطوته للصحافيين من مكتبه في قصر العدل في بيروت بأنه قرر تأجيل كل جلسات الاستجواب المحددة في شباط “كون النيابة العامة التمييزية قررت عدم إعترافها بمذكراته وباستئناف التحقيقات”، فإن مصادر قضائية مواكبة، كشفت أن خطوة البيطار هي ثمرة للإتصالات التي أجراها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود مع البيطار وعويدات ووزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، لنزع فتيل التوتير والحؤول دون تفجير الوضع القضائي على نطاق واسع. إذ نجحت إتصالات عبود في تبريد الأجواء وكبح مسار التصعيد بين عويدات والبيطار، تمهيداً للتمكن من إجتراح الحلول، التي يتابعها عبود نفسه، بعيداً عن أي خلفيات سياسية أو ثأرية، على “الطريقة اللبنانية” المرتكزة على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، ليخرج من الصراع القاضيان عويدات والبيطار غير منكسرين (!).

ولم يغب عن خط “التهدئة القضائية” رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يحرص على تهدئة الأجواء، تمهيداً للبحث عن المخارج بعيداً عن الصخب والتشنج.

وتحرك عبود، الذي يفضّل معالجة نزاع الصلاحيات والاجتهادات بأسلوب قانوني وليس عقابياً، يندرج في إطار مساعيه الى فتح حوار غير مباشر بين البيطار وعويدات، وتأجيل جلسات التحقيق التي كان دعا إليها البيطار تصب في هذا السياق.

الجدير ذكره على هامش تحرك عبود، أنه رفض إلتئام مجلس القضاء الأعلى، بناءً على طلب عدد من أعضائه، مبرراً ذلك بأن إنعقاده كان سيزيد من حدة الانقسام القضائي، وإمكان إنسحاب ذلك على الشارع المحتقن، خصوصاً وأن هؤلاء الأعضاء كانوا يطالبون بالتصويت على إقالة البيطار، ما قد يتسبب بـ “فتنة” في الشارع، لا سيما أن قراراً كهذا لا تبقى إنعكاساته على المستوى الاداري وحسب، إنما ستكون له تداعيات سياسية خطيرة، من الممكن أن تهدد السلم الأهلي “الهش”.

وإذا أثمرت جهود عبود، الذي تلقف “الكباش” السياسي على القضاء، في إعادة الوضع الى ما كان عليه قبل عودة البيطار الى تحركه المتجدد، فإن العامل السياسي كان حاضراً بقوة، بحيث عكست المواقف السياسية خلال الأسبوعين الماضيين حجم الضغوط السياسية، التي لطالما أخّرت مسار العدالة منذ إنفجار المرفأ صيف 2020، بحيث يصح القول من وحي غضب الطبيعة الذي يوازي غضب أهالي ضحايا إنفجار المرفأ والمتضررين: “الارتجاجات السياسية تشطر الفالق القضائي من دون زلزال!”.

وهنا يكمن الخوف الأكبر مع هذه الطغمة السياسية “المجرمة” التي يقوم أركانها بالتسويات على حساب القضاة وضحايا الانفجار، مما ينذر بأن لا تصل التحقيقات إلى النتائج المرجوة، وفي أحسن الأحوال ستقتصر على تحميل المسؤولية للصغار، وتنتهي بدفع تعويضات للمتضررين!

شارك المقال