14 شباط… “جريمة جارية” بحق لبنان، إغتيال “إنتفاضة الاستقلال”! (2)

ياسين شبلي
ياسين شبلي

“الناس نيام فإذا ماتوا إنتبهوا”، هذه المقولة تنطبق على شعور اللبنانيين يوم 14 شباط 2005، لحظة سماعهم الانفجار – الزلزال الذي أودى بحياة الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، فكأنهم كانوا نياماً ثم إنتبهوا الى هول الكارثة التي حلت بهم وبوطنهم بغياب رفيق الحريري.

هول الصدمة جعل الناس تنزل إلى الشوارع بعفوية وعلى غير هدىً لا تلوي على شيء سوى إحساسها بالفجيعة والضياع، قبل أن تجتمع الشخصيات والأحزاب في بيت الشهيد لتلتحق بالناس وتعلنها إنتفاضة إتخذت بعدها اسم “ثورة الأرز”، بشعار “حرية، سيادة، إستقلال”، وتتلخص مطالبها بأربعة، أولها إستقالة حكومة عمر كرامي، وثانيها إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية بالإضافة إلى مدعي عام التمييز الذين كانوا يشكلون ذراع النظام الأمني اللبناني – السوري، وثالثها المطالبة بلجنة تحقيق دولية في الجريمة لإنعدام الثقة بتحقيقات السلطة اللبنانية، وصولاً إلى المطلب الرابع وهو إنسحاب القوات السورية من لبنان.

إستقالت حكومة عمر كرامي بعد جلسة عاصفة في مجلس النواب تخللتها كلمة مؤثرة للنائبة بهية الحريري، ثم وصلت لجنة دولية لتقصي الحقائق برئاسة المحقق بيتر فيتزجيرالد ما لبثت أن إتهمت السلطة بالتقصير، ودعت الى تشكيل لجنة تحقيق دولية في الجريمة.

بدأت السلطة تتخلخل وسط إستمرار الانتفاضة وبدأ الفرز السياسي فانقسم البلد أفقياً، في الثامن من آذار تحرك أنصار النظام السوري بقيادة “حزب الله” في تجمع شعبي مضاد تحت شعار “شكراً سوريا”، ما لبث أن تحول إلى تجمع سياسي تحت إسم “قوى الثامن من آذار”، وذلك بعد أن أعلن الرئيس السوري بشار الأسد قراره في 5 آذار بإنسحاب قوات بلاده من لبنان والذي تحقق في 26 نيسان 2005، ما شكَّل إنتصاراً إضافياً للإنتفاضة.

في 14 آذار كان رد الانتفاضة على تظاهرة أنصار سوريا بأخرى مليونية تحت شعار الولاء للبنان والوفاء لرفيق الحريري، تحولت بعدها إلى تجمع سياسي تحت إسم “قوى 14 آذار، ليصبح الصراع السياسي بين جبهتين.

في 19 آذار إستقال مدير المخابرات في الجيش اللبناني ريمون عازار وهو أحد الضباط الذين طالبت الثورة بإقالتهم، تبعه في نيسان المدير العام للأمن العام جميل السيد واضعاً نفسه بتصرف وزير الداخلية قبل أن يتم إعتقالهما مع زميليهما مصطفى حمدان وعلي الحاج بطلب من لجنة التحقيق الدولية في آب 2005.

في هذه الأثناء كانت التفجيرات المتنقلة مستمرة ضد الأحياء المسيحية منها خصوصاً في محاولة فاشلة للترهيب وزرع الشقاق الطائفي بين المنتفضين.

تحققت مطالب الثورة الأربعة، بدأت المحادثات السياسية لتشكيل حكومة حيادية تتولى إجراء الإنتخابات النيابية، هنا بدأت المساومات وبدأ الالتفاف على الثورة بعد إنسحاب الناس من الشوارع وعودة الحياة إلى طبيعتها، وهنا نزعم – وهذا رأي شخصي – بأن القيّمين على الانتفاضة إرتكبوا خطأين مميتين كان لهما الأثر الكبير في تطورات السنين التالية، الأول هو رفض البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير أن تكمل الثورة طريقها إلى قصر بعبدا لإسقاط رئيس الجمهورية في الشارع، والآخر كان الاتفاق الرباعي الذي أبرمه كل من تيار “المستقبل” والحزب “التقدمي الإشتراكي” ممثلين لقوى 14 آذار مع “الثنائي الشيعي” كممثلين عن قوى 8 آذار، ما بدا وكأنه إقصاء أو لنقل إضعاف لمكونين أساسيين من مكونات 14 آذار، المكون المسيحي من جهة، والمكون الشيعي الوطني المستقل من جهة أخرى، ولو أن البعض يرى بأن هذا الاتفاق قد منح الأغلبية النيابية في الانتخابات لقوى 14 آذار، إلا أننا نرى أن “الثنائي الشيعي” وخصوصاً “حزب الله” إستفاد منه مرتين، الأولى عبر إستغلاله لكسب الوقت وترتيب أوراقه للإنقضاض على الثورة فيما بعد، والثانية عبر إتفاق مار مخايل الذي أبرمه “حزب الله” لاحقاً بصفته المكون الشيعي الأقوى بعد اعتراف قوى 14 آذار له بهذا الدور، مع “التيار الوطني الحر” بصفته المكون المسيحي الأقوى كذلك في البلد، وما بين الإتفاق الرباعي وإتفاق مار مخايل، كانت هناك حرب تصفيات لرموز ثورة الأرز وأبرز مفكريها ومحركيها، بدأت في الثاني من حزيران مع إغتيال الصحافي سمير قصير، ثم في 21 حزيران بإغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، ولم تنتهِ في 12 كانون الأول بإغتيال الصحافي جبران تويني، ليكتمل بذلك إغتيال “إنتفاضة الإستقلال” للأسف، وتخسر معها قوى الرابع عشر من آذار بعضاً من مكتسباتها، وهي على عتبة معركة جديدة لا تقل صعوبة وخطورة عن معركة الثورة ضد النظام الأمني، وكذلك إنتفاضة الإستقلال ضد الوجود العسكري السوري، ألا وهي معركة تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لكشف حقيقة المسؤول عن جريمة العصر، جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وبالتالي جريمة إستهداف لبنان في أمنه وإستقراره ووجوده كدولة وككيان نهائي لكل أبنائه.

يتبع…

إقرأ أيضاً:
14 شباط… “جريمة جارية” بحق لبنان، البداية… رفيق الحريري – الرمز شهيداً! (1)
14 شباط… “جريمة جارية” بحق لبنان، محاولات “إغتيال” المحكمة الدولية! (3)

شارك المقال