“النهاية”… خبايا سياسية تكشف لأول مرة

حسين زياد منصور

أطلق الصحافي جورج بكاسيني العنان لـ”النهاية”، وهو وثائقي من 6 أجزاء، يستعرض فيه أبرز المحطات واللحظات التي حبست أنفاس اللبنانيين، وشكلت منعطفاً خطيراً في مسار حياتهم، منذ العام 2005، قبيل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولاً الى العام 2020 وانفجار مرفأ بيروت.

يروي بكاسيني الذي واكب أحداث هذه الحقبة وكان شاهداً عليها، في ظل وجوده بين أبطالها، أسراراً تكشف للمرة الأولى، موثقة بشهادات شخصيات لبنانية وعربية وأجنبية، عايشت مرحلة حكم الرئيس الشهيد ثم اغتياله وما تبعه من ارتدادات داخلية وخارجية أثرت في مسار حياة اللبنانيين جميعاً.

تناولت الحلقة الأولى من هذا الوثائقي خبايا السياسة اللبنانية، منذ اغتيال الحريري والذي أسفر عنه الانقسام الكبير بين اللبنانيين الى فريقين 14 و8 آذار، والانسحاب السوري من لبنان ومواقف الدول الاقليمية والعالمية المؤثرة فيه.

وبشهادات شخصيات لبنانية وعربية وأجنبية، كشفت للمرة الأولى بعض المواقف واللحظات التي كانت مخفية عن اللبنانيين ما يزيد عن 18 سنة. فاغتيال الحريري، كان نهاية مشروع لبنان “السيد، المستقل، الموحد”، وبداية مشروع تحويل لبنان الى دولة ولاية الفقيه.

تكشف الحلقة الأولى عن خلاف حاد وقع بين الرئيس رفيق الحريري والسوريين، اذ طلب من رئيس مجلس النواب آنذاك نبيه بري عدم الرد عليه، في ظل معرفة الحريري أن المعادلة اللبنانية لا يمكن أن تصلح والشيعة خارجها، لذلك فتحت القنوات مع “حزب الله”.

الـ 1559

سلامة لبنان الاقليمية وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً، وضمان انسحاب جميع القوات غير اللبنانية من أراضيه، مع استمرار تواجد ميليشيات مسلحة تمنع الحكومة اللبنانية من ممارسة كامل سيادتها على جميع الأراضي اللبنانية في ظل أهمية بسط الحكومة سيطرتها، واجراء انتخابات رئاسية وفقاً لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخل أو نفوذ أجنبي. حسب الوثائقي، بهذا القرار يعتقد البعض أن رفيق الحريري سجل اغتياله بيديه، بعد مواجهة غير علنية بينه وبين “حزب الله”. اذ قال الرئيس الحريري للأمين العام لـ “حزب الله”: “يلي عمل 1559 هو بغيره”.

لبنان الوطن الأسير

بعد جريمة الاغتيال، والتشييع الشعبي في بيروت، والذي بحسب البعض لم يشهدوا مثله منذ وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كانت دعوات المعارضة الى عدم مشاركة السلطة في التشييع وتحميلها مسؤولية الاغتيال، وإسقاط الوصاية السورية وخروج النظام وأركانه من لبنان.

وأبرز هذه المطالب كانت إسقاط اميل لحود رئيس الجمهورية حينها في الشارع، وهو ما لقي اعتراضات مسيحية بعد العودة الى البطريرك نصر الله بطرس صفير، اذ عدت سابقة خطيرة جداً، فأجهض الاقتراح.

بعد الاغتيال بـ 4 أيام كانت بداية انتفاضة الاستقلال رداً على سياسة الاجرام من سلطة الوصاية السورية، وكانت جلسة 27 شباط النيابية الفرصة لاسقاط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، وهنا يكشف الوثائقي عن لقاء لم يعلن عنه بين الرئيس سعد الحريري والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله تخلله اتصال بالرئيس السوري بشار الأسد نفى خلاله مسؤوليته عن جريمة الاغتيال، أجابه الملك عبدالله حينها بأنه لم يقتنع بكلامه، ولكن عليه أن يثبت حسن نواياه بدفع حكومة كرامي الى الاستقالة، ليرد الأسد: “سيكون الموضوع منتهياً خلال ساعة”. وهو ما حصل فعلياً، اذ فاجأ كرامي الرئيس بري وكثيرين بإعلان استقالة الحكومة.

8 و14

رداً على الحشود في ساحة الشهداء، وتحت شعار “شكراً سوريا”، تظاهر نصف مليون شخص في رياض الصلح في 8 آذار 2005، وبرز الانشطار الكبير بين اللبنانيين، ولكن كان لا بد من الرد، فكان 14 آذار خير رد، في ظل تخوف أوروبي وأميركي، من عدم تمكن قوى المعارضة من رص صفوفها وجمع عدد أكبر من حشود 8 آذار، وعدم تحمس السفير الأميركي حينها جيفري فيلتمان للفكرة، والنصائح المتتالية بعدم تنظيم هذه التظاهرة خوفاً من فشلها، ودارت محاولات الاقناع بالعزوف عنها وعدم المواجهة، والذهاب الى التفاهم مع الرئيس بشار الأسد “لحفظ ماء الوجه”.

خالفت قيادة الجيش تعليمات رستم غزالة الذي دعا الأجهزة الأمنية الى منع التجمعات حول ضريح الرئيس الشهيد وقطع كل الطرقات المؤدية الى ساحة الشهداء، فكان الجيش يسهل وصول المتظاهرين اليها.

كان يوم 14 آذار مفاجأة للجميع، فالزحف “البشري” كان هائلاً منذ ساعات الصباح الأولى، من كل لبنان، الشمال والبقاع والجبل والجنوب. وبذلك ظهر مشهد الانقسام اللبناني بأبهى حلله، وفتح مرحلة جديدة في التاريخ اللبناني، وكان بوابة الاستقلال الثاني.

أول الغيث كان في 3 نيسان، عند الاعلان عن اتفاق بين الأمم المتحدة والسوريين للانسحاب من الأراضي اللبنانية، ثم في 7 نيسان، صدر القرار 1595 بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال الرئيس الحريري.

سعد خلفاً لرفيق

كان النائب وليد جنبلاط متخوفاً وقلقاً من بقاء الشارع من دون قيادة، فعقدت اجتماعات لاختيار الخلف، من دون وجود بهاء وسعد، لكن الغالبية كانت مع سعد الذي اشترط لقبوله بهذه المهمة بعد التفكير موافقة العائلة قبل ذلك، احتراماً لأخيه الأكبر.

واكب هذه الاجتماعات الملك عبد الله والرئيس جاك شيراك، الذي قال في احدى المرات ان رفيق كان يعتمد أكثر على سعد.

وعلى هامش التعازي في الرياض، اتخذ القرار، تجتمع العائلة في 20 نيسان في باريس ويكلف سعد بمتابعة مسيرة والده.

الى جانب كل هذه الأحداث، يرصد الوثائقي السعي للوصول الى صيغة “المثالثة” في الحكم ومن يسوق لها، والصراع المستمر لتحييد اتفاق الطائف، وانهاء فترة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وموقف الفرقاء في لبنان منها، وكذلك الدول الاقليمية التي لها تأثير في لبنان، خصوصاً بعد اعلان إيران السيطرة على 4 عواصم عربية، بغداد، دمشق، صنعاء وبيروت.

وتطرق أيضاً الى الفترة التي سعى فيها ميشال عون للعودة الى لبنان، وكشف عن لقاء جمع بين الرئيس العام للرهبانية المارونية الأباتي بولس نعمة وبشار الأسد، وأكمل هذه الاجتماعات بعد اغتيال الحريري اميل اميل لحود وكريم بقرادوني.

ومن ثم بحث عون عن حليف مسلم، وفي الوقت الذي كان يسعى الى التفاهم مع تيار “المستقبل”، وذهاب جبران باسيل سراً الى الرياض للقاء سعد الحريري، كانت هناك مفاوضات سرية مع “حزب الله” أنتجت تفاهم مار مخايل، الذي أمن غطاء مسيحياً للحزب، وشكل انقلاباً على الأكثرية حينها، بعد أن اكتسحت قوى 14 آذار الانتخابات النيابية حينها، وما عرف أيضاً بالحلف الرباعي بفضل “الزعيم” وليد بك، وما تبعها من مشاحنات في مجلس الوزراء بعد تكليف فؤاد السنيورة رئاسة الحكومة.

ولم ينسَ حرب تموز، بعد الوعد بصيف هادئ لانعاش الاقتصاد، والتي أطاحت بميزان القوى اللبنانية، وخطة النقاط السبع وتبنيها في مجلس الوزراء، وصولاً الى 23 كانون الثاني 2007، “ميني” 7 أيار بعد ظهور مجموعات مسلحة في محيط الجامعة العربية وطريق المطار، ثم انشاء المحكمة الخاصة بلبنان، والفراغ الرئاسي وقضية النصاب والتصويت بالثلثين أو النصف زائد واحد، وحرص الأميركيين في بداية الأمر الممثل بالرئيس جورج بوش على مراعاة موقف البطريرك الرافض لانتخاب بالنصف زائد واحد، ثم تبدل الموقف الأميركي وقبوله بذلك وتجاوز البطريرك.

ورفض سعد الحريري الرد على “حزب الله” في الشارع واراقة الدماء على الرغم من وقوف القوى السياسية الى جانبه ودعمه. ثم وليد جنبلاط وقضية أمن المطار التي أدت الى أحداث 7 أيار.

تناقض النظام السوري

كان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قد نقل رسالة الى بشار الأسد بضرورة الانسحاب من لبنان، ورد عليه الأسد بأنه سيسحب الجيش من لبنان، وسأله ان كان بإمكانه نشر الكلام في الاعلام فوافق، وخرج موسى وأعلن ذلك من دمشق، ليحصل تكذيب له فيما بعد، ثم إعادة توضيح.

شيراك وعون

كان الرئيس شيراك أول المعزين بالرئيس الشهيد في دارته في العاصمة الفرنسية باريس، حيث ظهر الحزن والغضب والانزعاج عليه. لكنه فوجئ بوجود الجنرال ميشال عون بين المعزين، وطلب حينها أن لا يرى عون ويقابله.

تظهر في هذا الوثائقي شخصيات أساسية ومؤثرة في السياسة اللبنانية، بشهاداتها وتوثيقها لأحداث تقال وتنشر للمرة الأولى، أمثال عمرو موسى، وزير خارجية فرنسا السابق برنارد كوشنير، المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي والسفير الأسبق في لبنان ديفيد هيل، الى جانب شخصيات لبنانية مهمة، أمثال الرؤساء سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، والوزير السابق مروان حمادة، ورئيس المخابرات السابق جوني عبده، وغيرهم كثر واكبوا هذه الحقبة أو شغلوا أدواراً رئيسة وأساسية فيها

شارك المقال