لماذا تبقى روسيا في سوريا؟

لبنان الكبير

تشغل الحرب الروسية في أوكرانيا الحيز الأكبر من اهتمام المحللين المعنيين بالشأن الروسي، وأصبحت الجهود العسكرية لموسكو في سوريا تحظى باهتمام أقل نظرا لنطاق ووتيرة القتال في أوكرانيا، ومن ثم يبرز تساؤل مفاده: هل تخطط روسيا لمغادرة سوريا؟

يقول خبير الشؤون الإيرانية في مجلس الشؤون الدولية الروسي، نيكيتا سماجين، في تقرير نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن الغزو الروسي لأوكرانيا طغى تماما على العملية العسكرية الروسية الأخرى التي تنفذها في سوريا. فلم تكن التغطية التلفزيونية فقط هي التي تحولت من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا، لكن القوات والموارد الروسية أيضا.

ويضيف سماجين أنه في الأشهر القلائل الماضية، خفضت روسيا عدد قواتها في سوريا، وتنازلت عن السيطرة على الأراضي، وخفضت المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، لا يعني هذا أنها تغادر البلاد. ولا تزال موسكو تعتبر وجودها في سوريا رصيدا قيما، وترى في تحالفها مع دمشق ورقة مساومة مهمة في المحادثات مع الغرب.

استنزفت الحرب في أوكرانيا موارد روسيا بسرعة، مما جعلها تسعى للحصول على احتياطيات إضافية، وسوريا هي واحدة من أكثر المصادر وضوحا للأفراد العسكريين ذوي الخبرة القتالية الحقيقية. وبعد فترة وجيزة من بدء الغزو، تم إعادة نشر سرب من الطائرات المقاتلة (سو25-) في روسيا. وفي آب/أغسطس، تردد أنه تم شحن نظام صواريخ بعيدة المدى من طراز (إس300-) إلى شبه جزيرة القرم من ميناء طرطوس السوري.

بالإضافة إلى ذلك، انسحب الجيش الروسي من بعض مناطق اللاذقية، التي أعيد احتلالها على الفور من قبل مقاتلي حزب الله الموالين لإيران. ويتم نقل القوات الروسية ذات الخبرة تدريجيا إلى أوكرانيا واستبدالها في سوريا بجنود مبتدئين.

وفي الوقت عينه، يجب ألا تؤخذ التقارير عن انخفاض حاد في الوجود العسكري الروسي في سوريا على محمل الجد، والتي تفيد بأن نقل بعض المفارز إلى الجبهة الأوكرانية بالكاد قلل من قدرات موسكو الاستراتيجية في المنطقة. وتشارك القوات الروسية في عدد أقل من العمليات العسكرية في سوريا الآن لمجرد أن المرحلة النشطة من الصراع السوري قد انتهت. ومع ذلك، تستمر الغارات الجوية على الأراضي السورية، وكذلك التدريبات العسكرية الروسية المشتركة مع جيش الرئيس السوري بشار الأسد.

وسيكون من الخطأ المبالغة في تقدير إمكانات القوات المعاد نشرها من سوريا إلى الجبهة الأوكرانية. فلم يكن لدى روسيا أبدا وحدة كبيرة حقا في سوريا. ولم تحاول استبدال القوات المسلحة في البلاد، لكنها استكملتها وساعدت فقط بالإمدادات. فقد خدم ما يقرب من خمسة آلاف جندي في سوريا هو عدد ضئيل على نطاق الصراع الأوكراني، وعلى أي حال، فإن الخبرة المكتسبة في الشرق الأوسط لا تنطبق إلا جزئيا على الأراضي الأوكرانية.

وبالنسبة لموسكو، الغارقة في الصراع الأوكراني، فإن النتيجة المثالية في سوريا ستكون المصالحة بين الأطراف المتحاربة. وفي بداية هذا العام، حاولت موسكو تنظيم حوار بين وزير الخارجية السوري ونظيره التركي، لأن تركيا قد تلعب دورا حاسما في حل الصراع السوري. لقد تخلت أنقرة منذ فترة طويلة عن هدف الإطاحة بالأسد، وقد يكون شكل من أشكال الحوار مفيدا لكلا الجانبين.

ومع ذلك، فإن حل الخلافات العديدة بين الدولتين سوف يستغرق وقتا. ولا يزال المسلحون الموالون لتركيا موجودين في سوريا، وتسيطر القوات التركية على بعض مناطق البلاد. كما أن الانتخابات الرئاسية التركية المقرر إجراؤها في أيار/مايو 2023 تشكل عاملا أيضا. وقد يرغب الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي استخدم في السابق تهديد الأكراد السوريين والعمليات العسكرية في سوريا لتعزيز شعبيته، في القيام بذلك مرة أخرى. وتشكل المواجهة بين إيران وإسرائيل عقبة أخرى أمام حل الصراع السوري.

فمن ناحية، تحاول روسيا الحد من التوترات. ومن ناحية أخرى، سمحت لإسرائيل بتدمير المواقع الإيرانية والمدعومة من إيران في سوريا مرارا وتكرارا. والآن، أدى التعاون الوثيق بين موسكو وطهران نتيجة للحرب في أوكرانيا إلى تعقيد عملية التوازن الروسية بشكل خطير.

وهناك سبب آخر للقلق وهو أن روسيا قد أوقفت فعليا مساعداتها المالية لسوريا. ولم تسع موسكو أبدا إلى تمويل دمشق بالكامل، لكن حتى في الربيع الماضي، أبلغت وزارة الخارجية الروسية عن تسليم خمسة آلاف و500 طن من الشحنات الإنسانية إلى سوريا. والآن يعاد توجيه هذه الموارد إلى الأراضي التي تم ضمها حديثا في أوكرانيا.

وقد يؤدي تراجع المساعدات الروسية إلى تفاقم الوضع في سوريا، خاصة أن المتبرع الآخر لها، وهي إيران، قد خفضت أيضا مساعداتها. ويقال إن إيران، التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية، لن تزود دمشق بعد الآن بالنفط الرخيص.

ولا تزال سوريا خاضعة للعقوبات الدولية وقد تعرضت للتو لزلزال مدمر، لذلك من دون دعم من رعاتها الرئيسيين، فإن الوضع في البلاد لا بد أن يتدهور. وقد تتصاعد التوترات الاجتماعية، وعلى الرغم من أن الاستقرار الداخلي في سوريا ليس القضية الأكثر إلحاحا بالنسبة لروسيا، إلا أنها بالتأكيد مشكلة إضافية تدعو للقلق.

وأخيرا، يقول سماجين إنه من المستحيل التوصل إلى حل شامل للأزمة السورية من دون مشاركة الولايات المتحدة، التي لا تزال لديها قوات منتشرة هناك.

وهذه القوات متحالفة رسميا مع الوحدات العسكرية الكردية التي تسعى كل من أنقرة ودمشق إلى تدميرها. وفي هذا السياق، من غير المرجح أن تتخذ واشنطن أي خطوات قد تعزز العلاقات بين روسيا وإيران وتركيا.

وعلى الرغم من كل الصعوبات، تعتبر سوريا بالنسبة لروسيا رصيدا قيما يمكن استخدامه في المفاوضات مع تركيا وإيران وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون موضوعا للحوار المحتمل مع الولايات المتحدة، وهو أمر مهم بشكل خاص نظرا لندرة مواضيع النقاش المفتوحة أمام البلدين في هذا الوقت.

وكان على روسيا أن تأخذ الوجود الإيراني في سوريا في الاعتبار، لكن أهميته الاقتصادية بالنسبة لموسكو كانت ضئيلة. لكن الحرب في أوكرانيا وما تلاها من عقوبات غربية جعلت من إيران طرفا فاعلا رئيسيا في التحايل على العقوبات.

بالإضافة إلى ذلك ، تعد طهران بشكل أساسي طرفا في الصراع في أوكرانيا الآن بسبب شحنات طائرات “الكاميكازي” المسيّرة إلى روسيا.

باختصار، إيران أكثر أهمية بكثير بالنسبة لروسيا الآن مما كانت عليه من قبل، مما يجعل من الصعب على موسكو الضغط عليها.

وبناء على ذلك، ليس لدى روسيا أي خطط لمغادرة سوريا. وهي ترى في وجودها هناك إنجازا مهما وورقة مساومة في حوار محتمل مع مجموعة متنوعة من الشركاء، من القوى الإقليمية في الشرق الأوسط إلى الدول الغربية.

وفي الوقت عينه، تبدي موسكو عزوفا متزايدا عن التدخل في الشؤون الداخلية السورية، سواء عسكريا أو ماليا. وبدلا من ذلك، تركز على إقناع الأطراف بعدم تصعيد الوضع. وبعد كل شيء، تحرص روسيا على تقليل أي إلهاء عن أوكرانيا التي تعد أولوية السياسة الخارجية التي تستهلك كل مواردها تقريبا.

شارك المقال