ما كان يخشاه رفيق الحريري حصل!

راما الجراح

منذ ثمانية عشر عاماً انتهت رحلة النهوض، وسقطت ورقة لبنان. اغتالوا الموقع الذي فاق الحدود المحليّة والعربيّة، فجّروا المؤثر في الخيارات الدولية أمام فندق “السان جورج” لينالوا من رجل كان علامة فارقة على كل المستويات، والحجر الأساس لكل شاردة وواردة.

الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يرث المال ولا السلطة كما معظم سياسيي لبنان، بل بجهده الشخصي أصبح أحد أغنياء العالم ومن كبار رجال الأعمال، وبحنكته وعصاميته دخل أبواب السياسة من أوسع أبوابها بعدما سهّل التوصّل إلى إتفاق الطائف، وأزال ركام الحرب عن الأرض اللبنانيّة. خططوا، نفذوا، اغتالوا، ونجحوا في إنهاء حياة رجل بحجم وطن، وراح البلد! ظلمة حالكة حلّت علينا منذ ١٤ شباط ٢٠٠٥ وما زالت. كل ما تبقى لنا اليوم من بنى تحتية، وعدد كبير من المدارس والمعاهد، ومدينة بيروت التي تقف شاهدة على قيامة وطن من تحت الركام هي من زمنه، لم يستطع أحد وضع حجر زائد، أو إصلاح طريق دائم، لأن رفيق الحريري كان استثنائياً، لا يفوت “بيّ الفقير” شيئاً من واجبه تجاه شعبه الذي يحبه لخيره وصدقه.

البلد آنذاك كان أمام استحقاق إنتخابي، والشهيد رفيق الحريري رفض طلب “الوالي” السوري رستم غزالة وضع مرشحين كوديعة سورية على لوائحه، وأعلن خوض معركة الانتخابات النيابية إلى جانب المعارضة وأبرزها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط. ولا يخفى على أحد أن “حزب الله” كان ولا يزال الدمية التي تتحكم بها سوريا وإيران في لبنان، ولأن البلد كان ممسوكاً من جهات أمنية سورية – لبنانية، وما يمثله الحزب من قوة عسكرية منحه إياها رفيق الحريري أساساً بعدما شرّع سلاح مقاومته ضد إسرائيل، حملوا أكثر من ألف كيلوغرام من مادة الـ “T. N. T” التي لا يمكن أن تقتنيها إلا الدول، واستطاعوا التنقل بها في شوارع بيروت المكتظة بالسكان، ولأن نظام المحكمة الدولية لا يحاكم أنظمة أو كيانات سياسية، ذهب الادعاء باتجاه العناصر التي أُوكل إليها تنفيذ الجريمة.

“سوريا طلعي برا”، هتف الشعب اللبناني في ١٤ آذار ٢٠٠٥، ليكون يوماً تاريخياً وحاسماً لخروج القوات السورية من لبنان، في المقابل دعا “حزب الله” إلى يوم وفاء لسوريا في ٨ آذار، حتى انقسم لبنان بين قوى ٨ و١٤، وهذا ما كان مخططاً له. ودخل لبنان في موجة اغتيالات وصراعات وحروب، وأصبح الشعب مشحوناً طائفياً أكثر من أي وقت مضى، وعند أول مفترق طريق يحاولون ضرب اتفاق الطائف لزعزعة الاستقرار، وما كان يخشاه الرفيق حصل، ونجله الرئيس سعد الحريري الذي حاول إكمال طريق والده لتجنيب لبنان ما يحصل في سوريا والعراق، لم يستطع مقاومة شرهم وحقدهم على هذا البلد وشعبه الطيب.

سقط لبنان بسقوط مشروع كان يمثل أحلام اللبنانيين للوصول إلى بلد حر ومستقل، يطغى عليه العيش المشترك، بعيداً كل البُعد عن النزعات الطائفية والمذهبية، وحتى اليوم تضربه موجات محمّلة بالأزمات على الصُعد كافة، وتُعد الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية، أدت بدورها إلى إنهيار مالي واقتصادي ومعيشي ضخم لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا.

كلمات البحث
شارك المقال