التعاون الفرنسي – الأميركي يرفع منسوب التفاؤل جنوباً

جورج حايك
جورج حايك

يمكن القول إن الطريق سالكة أمام حلّ للمواجهات الناريّة الدائرة في الجنوب بين اسرائيل و”حزب الله”، وإن بحذر، لأن الجهود الفرنسية-الأميركية نجحت في تحقيق خرق على هذا الصعيد، لاقى تجاوباً محدوداً من الطرفين المتنازعين، على الرغم من أن الميدان لا يزال مشتعلاً ولا يبشّر بالخير.

لكن المعطيات الواردة من العاصمة الفرنسية باريس، بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الأحد الفائت إلى لبنان، تضع الأمور في نصابها الحقيقي من دون مبالغة، فمصادر في الخارجية الفرنسية تعتبر أن الهدف تجنّب التصعيد جنوباً وتهدئة الأوضاع، وأهمية المبادرة أنها معززة بتنسيق فرنسي-أميركي على أعلى المستويات وقد سبق للرئيس ايمانويل ماكرون أن أرسل وزيري الخارجية والدفاع إلى لبنان، واستقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزيف عون في الاليزيه حيث أبلغهما سعي فرنسا الجاد ورغبتها في وضع حدّ للاشتباكات الدائرة في الجنوب ومنع توسّع الحرب، وما سمعه ميقاتي من الفرنسيين اقتراح عقد قمة ثلاثية بين لبنان واسرائيل وفرنسا في باريس لتهدئة الأوضاع على الحدود مع لبنان.

ولا تخفي المصادر أن الاتصالات بين المسؤولين الفرنسيين والأميركيين مكثفة ما يشير إلى تعاون متزايد يلوح في الأفق أو أنه بدأ بالفعل على صعيد الحرب في جنوب لبنان، وخصوصاً القمة الثلاثية المقترحة، لأن الهمّ مشترك بين باريس وواشنطن، وهذا يتمثّل في النقاط التالية: أولاً الحذر بشأن التصعيد الاقليمي. ثانياً كلاهما تسعيان إلى البناء على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 وتنفيذه جزئياً على الأقل. ثالثاً انسحاب مسلحي “حزب الله” وبعض قدراته العسكرية بعيداً عن الحدود. رابعاً انتشار واسع النطاق للجيش اللبناني في الجنوب، بدعم من “اليونيفيل”. خامساً وقف تحليق الطائرات الحربية الاسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية. سادساً مفاوضات إسرائيلية لبنانية جديدة بشأن ترسيم حدودهما البرية.

أما الفروق بين الجانبين الفرنسي والأميركي فتبدو طفيفة وتتمثل في الآتي: الفرنسيون يطالبون “الحزب” بالتراجع 10 كيلومترات عن الحدود، فيما تدعو الخطة الأميركية إلى 7 كيلومترات. وربما يقدّم الأميركيون حوافز أكبر للبنان، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، في حين تركّز فرنسا على القضايا الأمنية، مع أفضليّة لفرنسا بالنسبة إلى مرحلة خفض التصعيد بمزيد من التفصيل، وجدول زمني قصير لتحقيق ما يلي: أولاً، وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل و”الحزب”. ثانياً في غضون ثلاثة أيام، ينسحب “الحزب” على بعد 10 كيلومترات شمال الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة. ثالثاً يبدأ الجيش اللبناني بالانتشار جنوباً وتوقف القوات الاسرائيلية طلعاتها الجويّة فوق لبنان. رابعاً، في غضون عشرة أيام تبدأ محادثات الحدود. ويبدو أن كلمة انسحاب “الحزب” أزعجت الأخير، فوجد لها الفرنسيون مصطلحاً آخر أزال العقبات، وهو عبارة “إعادة تموضع” التي استخدمها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين سابقاً.

لكن تبقى مزارع شبعا نقطة خلافية قد لا تشملها المفاوضات، بل تُركت لإراحة “الحزب” الذي يريد مبرراً للإبقاء على سلاحه بعد التسوية الجنوبية وانسحابه من الحدود، وخصوصاً أنه يستخدمها كذريعة لمواصلة الأعمال العدائية، والتفاوض على وضعها سيتطلب التعامل مع سوريا، وبالتالي فهي خارج الخطة الحالية.

لا شك في أن التعاون الفرنسي-الأميركي يعوّل عليه، ولا يغيب عن بال العاملين في الديبلوماسية الفرنسية والأميركية التنسيق بين الرئيسين جاك شيراك وجورج بوش عشية اصدار القرار 1559 الذي أدّى بفضل جهود الدولتين الكبيرتين إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005.

وتؤكد المصادر في الخارجية الفرنسيّة أن الولايات المتحدة الأميركية بحاجة إلى مساعدة فرنسا في أي مفاوضات بشأن لبنان، لأسباب عديدة أهمها وجود 700 جندي فرنسي من ضمن قوات “اليونيفيل”، وقدرة فرنسا على التعامل مع الجهات الفاعلة في الحياة السياسية في لبنان بما في ذلك “الحزب” و”التيار الوطني الحر”، وعلاقتها المرنة مع إيران. في المقابل، تحتاج فرنسا إلى مساعدة واشنطن في تليين مواقف اسرائيل نظراً إلى تحالفها الوثيق والتاريخي مع تل أبيب.

مع ذلك، لا تزال مصادر الخارجية الفرنسية حذرة في ترجمة ما يُمكن التوصّل اليه، لأن “الحزب” يشترط وقف اطلاق النار في غزة، وهذا ما يبدو غير متوافر حتى الآن، بل هناك مخاوف من بدء اسرائيل معركة رفح التي قد تنسف كل الجهود وتسعّر الصراع في جنوب لبنان والمنطقة ككل.

أما إذا تم التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ولبنان، فسيتعين على المسؤولين الأميركيين والفرنسيين العمل بصورة وثيقة في مجلس الأمن لتجديد تفويض “اليونيفيل” وخصوصاً أنه واجه صعوبات العام الفائت، بعد امتناع روسيا والصين عن التصويت دعماً لطلب حكومة تصريف الأعمال و”حزب الله”، ولا تستبعد المصادر استمرار موسكو وبكين، في مثل هذه العرقلة في المستقبل، لا سيما وأن روسيا عززت علاقاتها مع إيران خلال حرب أوكرانيا.

لا يمكن القول “فول قبل ما يصير بالمكيول”، ولا شك في أن هناك سباقاً بين الجهود الديبلوماسية الغربية من جهة وتدهور الأوضاع العسكرية في الجنوب اللبناني من جهة أخرى، لذلك فإن الجهود الديبلوماسية الفرنسية والأميركية محفوفة بالمخاطر وقد تفشل في أي لحظة إذا تصاعدت الأعمال العدائية، وحتى إذا أدت إلى اتفاق، فقد يستخدم الطرفان أي “الحزب” واسرائيل، ببساطة الهدوء الناتج للاستعداد بصورة أفضل للصراع المستقبلي الذي يعتبرانه حتمياً. مع ذلك، لا غنى عن الديناميكيات الديبلوماسية الأميركية والفرنسية التي شكّلت حتى اليوم حاجزاً أمام توسّع الحرب وتدمير لبنان بالكامل!

شارك المقال