الشهيد الحريري في عيون الطرابلسيين: كسر قيود الوصاية السورية

إسراء ديب
إسراء ديب

يُدرك الساسة في طرابلس أهمّية مدينتهم وقدرها تاريخياً ووطنياً، لكن المواطن الطرابلسيّ الغارق في همومه الاقتصادية، الأمنية والسياسية كاد أن ينسى فعلياً هذه الأهمّية مع إهمال معظم القائمين على شؤون البلاد والعباد فيها وعدم اكتراثهم بقضايا مدينتهم التي لم تشعر بالازدهار يوماً حتّى بعد تولّي الكثير من الشخصيات الطرابلسية أهمّ المناصب الادارية والسياسية في البلاد، بل على العكس لم يكن نصيبها من هذه المناصب سوى المزيد من الويلات التي تشهد عليها الكثير من الدراسات والاختبارات التي تُظهر حجم الأزمات التي تُواجهها طرابلس لا سيما على المستويات الاقتصادية، المالية والاجتماعية.

وقد تمكّن بعض سياسيي المدينة من “دسّ” السمّ في العسل لسنوات، بلا شفقة أو تردّد لأسباب سياسية دفعت أهالي طرابلس إلى النفور من معظمهم والشعور بالحنين إلى حقبة سياسية سابقة، كان يُمكن الحديث فيها عن استقرار وطنيّ لا محلّي فحسب، كرّسه الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان رمزاً وطنياً جامعاً وقائداً سنّياً صارماً بلا منازع بشهادة مصدّقة من أبناء الوطن خصوصاً على المستوى السنيّ، الأمر الذي جعله “حديث الساعة” و”قائد كلّ ساعة” حتّى بعد مرور 18 عاماً على اغتياله.

يُمكن القول إنّ الرفيق لم يغادر ذاكرة الطرابلسيين التي تنبض بالوفاء لرجل كرّس حياته من أجل لبنان، متمسكاً بشعاره “لبنان أوّلاً”، فلم نجده يوماً يقول “صيدا أوّلاً” أو “بيروت أوّلاً” بل كانت همومه وطنية وخدماته عامّة شملت شعباً كاملاً بلا تمييز أو عنصرية، من هنا لم يمرّ على طرابلس أو أيّ مدينة لبنانية أخرى رجل يُشبه رفيق الحريري بصفاته التي لا يُمكن حصرها بكلمات محدّدة، فكان يتمتّع بأسلوب ديبلوماسي تارة وحاد تارة أخرى رسم مرحلة سياسية لا تُنسى.

قبل استشهاد الرفيق، فتحت طرابلس ذراعيها لكلّ ما قدمه سياسيّ كسر قيود الوصاية السورية قدر المستطاع وهو ما يزيد من رصيد محبّته وتقديره بين الأهالي الذين شهدوا على مسيرة العلم التي أراد تكريسها وطريق الإنماء التي رفضها بعض سياسيي المدينة، بحجّة أنّ “طرابلس ليست كبيروت ولن يُسمح له بالاقتراب منها كما فعل في العاصمة”، ووضعت حجج كثيرة وعراقيل أكبر لتمنعه من التدخل في طرابلس، فكان مشروع القبّة أو إعادة تأهيل البنى التحتية في التبانة من أبرز المشاريع التي كان يرغب في تطويرها وتوسيع نطاقها داخل المدينة، لكن شاء القدر أن تقع طرابلس تحت رحمة بعض “الاقطاعيين” الذين يشعرونك أنّهم اشتروا المدينة بأهلها، مع العلم أنّها لم تر منهم خيراً لأعوام.

أمّا عن مرحلة ما بعد الاغتيال، فلم تهدأ الفيحاء لحظة، ووقعت في شباك الاشتباكات العسكرية مدفوعة الثمن مسبقاً من بعض السياسيين والأمنيين شمالاً، وخطة أمنية فاشلة جعلت المدينة مستباحة في كلّ لحظة، وروايات الارهاب التي نبذها الحريري بنفسه بعيداً عن الارهاب السياسي الذي باتت معالمه واضحة، ولا ننسى الثورة التي خيّبت ظن المواطنين، لكنّها لم تدفع الطرابلسيين يوماً إلى إدراج اسمه ضمن إطار “المغضوب عليهم”، إذْ كان الرفيق ولا يزال خطاً أحمر يصعب تجاوزه أو حتّى الاقتراب منه، كما يصعب تعويضه وهذا ما يُفسر وجود صوره في منازل الكثير من الطرابلسيين الذين تباهوا بمحبّتهم له، فليس من السهل عليهم فقدان أحد أركان دولة عاشت ازدهاراً لم يتكرّر بعده.

وأخيراً، إنّ السواد السياسي الذي أحاط بلبنان بعد اغتيال الشهيد الحريري، لم يترك نجله الرئيس سعد الحريري الذي يمتلك معزّة خاصّة في قلوب الطرابلسيين أيضاً، فعلى محبّة والده استمرّت محبّتهم لآل الحريري وتحديداً لابنه سعد، إذ يرى الكثيرون منهم أنّه كان مظلوماً وسط غابة من السفاحين السياسيين، لهذا السبب يتعاطف أبناء طرابلس معه، ويُطالب عدد كبير منهم بعودته إلى العمل السياسي، نظراً الى عدم وجود قائد سنّي يُمسك زمام الأمور في مرحلة هي الأصعب وطنياً وسنياً من جهة، والعجز عن إيجاد بديل له “تحديداً” من جهة ثانية، لذلك رحّبوا بعودته في ذكرى اغتيال والده هذا العام، لكنّهم كانوا يتمنّون بقاءه مدّة أكبر وعودته إلى العمل السياسي من جديد، الا أنهم في الوقت عينه يخشون عليه من التطوّرات السياسية والأمنية الراهنة، مؤكّدين أنّ المدّة الزمنية التي غاب فيها عن لبنان، شعروا خلالها بقيمة وجوده بينهم، “لكن إذا كانت العودة لغير صالح البلاد، فبالتأكيد الحريري لن يلوّث يديه كما يفعل آخرون”، وفق ما يرى طرابلسيّون.

كلمات البحث
شارك المقال