رفيق الحريري صانع أحلام… ترك بيروت تبكي بعده

تالا الحريري

صورة بيروت واضحة اليوم بعد التشرذم السياسي الحاصل وأهم من كل ذلك بعد غياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لم نكن نتصور يوماً بيروت من دون رفيق الحريري، بالمختصر ارتبط إسمه ببيروت. هذا الرجل الاستثنائي الذي أعاد إعمار العاصمة بعد الدمار الذي خلّفته الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً، لم يُعد بناء الحجر وحسب، بل أزهر بيروت، علّم ووظّف وقدّم الخدمات والمساعدات.

الحشد الكبير الذي اجتمع يوم اغتياله لم يكن حزناً على غياب شخصية سياسية وحسب، بل أسفاً على رفيق الحريري الانسان الذي لقبه الناس بـ”بي الفقير”، احتضن الجميع من مختلف الطوائف ولم يتردد يوماً في مساعدة أحد.

وكأنّ الزمن توقف في بيروت منذ يوم الاغتيال في 14 شباط 2005، مشهد الدمار الذي ساد العاصمة لا يزال مسيطراً حتى الآن والسواد الحالك يغطّيها، فيما الناس اليوم بحاجة ماسة إلى رفيق الحريري بيروت، والوطن لبنان متعطش لعطائه.

النائب السابق نزيه نجم أكد أن “في القلب حسرة مزدوجة: على رجل بحجم وطن خسرناه جميعاً، وعلى بلد يمضي في نفق أسود!”، مشيراً الى “أننا نتذكر دور الرئيس الشهيد الذي لا يتكرر، من فرض لبنان على أجندات الخارج، بينما أصبح بلدنا اليوم منسياً الا من بعض الأصدقاء!”.

وقال: “رفيق الحريري، تلك المسيرة التي لا تنتهي! مسيرة تحولت نهجاً وشعلةً يحملها نجلك سعد الحريري الذي ننتظر عودته الى لبنان”.

أما رئيس بلدية بيروت السابق بلال حمد فقال لـ “لبنان الكبير”: “رفيق الحريري مثل لأهل بيروت، هو صانع أحلام، نقل المدينة من حال إلى حال. كنا نرى كل يوم مشروعاً جديداً في المدينة، ربطها بالمحيط من ناحية الانارة والطرقات والأوتوسترادات التي كانت متوقفة، فجاء وأكملها. بنى المدينة الرياضية والمطار، وأرجع للمدينة وسطها”.

أضاف: “عندما كنت رئيس بلدية بيروت زارنا رئيس بلدية اسطنبول قادر توباش المقرب من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أخذته إلى وسط بيروت فذُهل. قلت له إنّ ذلك حصل في زمن قياسي بين 1992 و1996، اعادة اعمار الوسط خلال 4 – 5 سنوات إلى الحلّة التي كان فيها كان عملاً جباراً. والوسط كان قلب بيروت النابض إلى أن اعتصموا فيه لمدة سنتين وقتلوه، وانتقلت الحياة إلى أماكن أخرى ومنذ ذلك الوقت لم يعد الانتعاش إلى وسط بيروت”.

وأشار حمد إلى أنّ “رفيق الحريري أمّن لأهل بيروت الفقراء الذين لم يكن لديهم المقدرة دخول الجامعات وأخذهم الى أهم جامعات في العالم ودعم الأقساط في لبنان، علّم 30 – 35 ألف طالب وهذه معجزة. استفادت بلدية بيروت من المشاريع على الرغم من العراقيل الادارية فيها، واستكملنا المسيرة وأقمنا بالحدائق ونفق بشارة الخوري وكانت بيروت في حلة ممتازة”، لافتاً الى أن “التدهور بدأ فعلاً بعد 2016، بيروت تدهورت كلها، نحن اليوم في وضع بائس جداً في بيروت ونحتاج الى مئات السنين حتى يأتي شخص كرفيق الحريري، وشخصية مثله لن تتكرر. في عهد رفيق الحريري كانت الكهرباء 24/24 في بيروت، وهذه العاصمة يدخل كل يوم اليها نصف مليون مواطن”.

وأوضح “كان هناك حقد على المدينة وكان رفيق الحريري يبعد الحقد عنها ويأخذ بظهره كل الأمور إلى أن روى المدينة بدمائه لكثرة حبه لها واستشهد فيها. هذا الحقد تبين بعد رحيل رفيق الحريري وأصبحت مدينة بيروت مثلها مثل أي بلدة حرموها من الكهرباء والمياه، وكل الخدمات تدهورت. الشيخ سعد أتى في ظروف صعبة جداً لكن أثبتت كل التجارب أنّ أهل بيروت يعتبرون مرجعيتهم الحريرية السياسية ولم تخلق المرجعية سوى للحريرية السياسية، لا يكفي المال وحده لصنع الزعامات بل يحتاج الى كاريزما. ورفيق الحريري كان شخصاً يستوعب الناس وكانت لديه كاريزما ليست موجودة لدى غيره”.

وشرح الكاتب والباحث زياد سامي عيتاني أنّ “المدينة وضواحيها تعرضت لأضرار فادحة لأنها كانت من أهم ساحات المواجهات، ولأن العاصمة هي محرّك البلاد الاقتصادي. وكانت إعادة انطلاق النشاط الاقتصادي شرطاً أساسياً للنهوض الوطني. إعادة الإعمار والمصالحة في هذه المدينة هما ملك لكل اللبنانيين، على عكس المناطق المغلقة، ويشكلان رهاناً رمزياً أساسياً. وتم التحضير لاعادة إعمار بيروت خلال الحرب بواسطة العديد من وثائق التخطيط، وأنجز فريق فرنسي – لبناني مخططاً توجيهياً في نهاية العام 1986 اقترح فيه خيارات طموحة، وأكد على وحدة التجمع السكاني من خلال إعادة إعمار المركز، وسياسة تهدف الى إعادة النقل العام المشترك، وإقامة مراكز ثانوية تستوعب التوسع العمراني الذي بدأ أثناء الحرب، بحيث أعيد تأهيل الميناء واستبدل المطار القديم بمطار جديد بإمكانه استيعاب 6 ملايين مسافر، إضافة إلى بناء مدرج جديد يمتد في البحر. وقد أطلقت عدة مشاريع للتجهيزات العامة، ومنها: مدينة رياضية ومستشفى جامعي وحرم الجامعة اللبنانية، أنجزت كلها في العام 2005”.

ولفت الى “اطلاق مشاريع عمرانية كبيرة، مثل إعادة إعمار مركز المدينة، وعمليات ردم ساحل الضاحية الشمالية، وبرنامج واسع لإعادة إعمار وتأهيل ضاحية بيروت الجنوبية التي تعتبر الموقع الرئيس للأحياء العشوائية في العاصمة. وتم تحديث شبكة الطرق السريعة وتوسيعها بين هذه المواقع، وخصوصاً إضافة طرق جديدة لدخول المدينة”.

وشدد عيتاني على أنّ “مشروع إعادة إعمار وسط المدينة هو رمز إحيائها، ويستحق أن ننظر إلى النوايا التي كانت تحركه وإلى تقدّم البرنامج. لقد تمّ تكليف شركة عقارية خاصة في العاصمة بإعادة الإعمار، وهي شركة سوليدير التي يملك ثلثيها من كانت لهم حقوق وملكية، أما الثلث الثالث فكان لمستثمرين مستقلين. كانت مهمّة الشركة تنفيذ الأعمال وفقاً لمخطط اعتمدته السلطات، وتقسيم الأراضي وبيعها، عدا تلك التي استعادها المالكون القدامى والمباني الدينية”.

وأشار إلى أنّ “المشروع أُطلق في العام 1994، بعد تصديقه ودراسة تفاصيله. وشهد عدّة تعديلات تشهد على التقلبات السياسية وصراعات السلطة بين الحريري وخصومه السياسيين، وعلى الرغم من الأحداث الاقتصادية والسياسية الحالية الصعبة، بين العامين 1998 و2000، استطاعت سوليدير التفاخر بنجاحات عديدة. في المرحلة الأولى، انتهت إعادة التأهيل الضخمة والكثيفة للحي الذي يعود تاريخه إلى فترة الانتداب، أنعشت أنواع متعددة من التجارة وبعض مطاعم هذا الحي. ويساهم قاصدو الفنادق الجديدة في تنشيطها، وفيها لبنانيون كثر يكتشفون مركزاً جديداً لهم في خليط طائفي أو اجتماعي”.

وتابع عيتاني: “بعد العودة إلى لبنان وضع الحريري نصب عينيه إعادة الإعمار، والبداية من بيروت درّة الشرق وعاصمة العرب وأم الشرائع. أسسّ سوليدير وبدأت مرحلة إعادة الاعمار، أعاد بناء المطار وبدأ بناء مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، والأوتوسترادات، وتحوّل البلد إلى ورشة كبيرة. كان رفيق الحريري في طور تحقيق حلمه، كما بنى في المملكة، يريد بناء بلده، وفي هذه المرحلة يمكن القول إن عصر الحريري في لبنان قد بدأ رسمياً في 31 تشرين الثاني 1992 حين شكَّل حكومته الأولى في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي ، تنفَّس اللبنانيون الصعداء، فهم يعرفون هذا الرجل الذي ضربت جرَّافته الأولى أول ضربة في خريف العام 1982 حين بدأ ينظف بيروت من الدمار. رجل الإنماء والإعمار الأول (جاء على ظهر جرافة) معتمراً قبعة الورشة، كيف لا وهو حوّل البلد الى ورشة كبيرة. قيل له يوماً: دولة الرئيس، لقد أصبحت أكبر من البلد. فأجاب بسرعة بديهة: مبتسماً: فلنكبِّر البلد فلا يعود أحد أكبر منه. رافق الرئيس الياس الهراوي حتى انتهاء عهده، من خلال ثلاث حكومات، وكان العصر الذهبي انمائياً وإعمارياً بعد انتهاء الحرب: وسط بيروت، أوتوسترادات، مطار بيروت، المدينة الرياضية، الكهرباء 24 على 24، الهاتف الخلوي، استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية، توقف تعثر المصارف. لم يؤثر فيه التشكيك بل زاده اندفاعاً، ولم ترهبه الحروب الاسرائيلية بل كان يرد بإعادة بناء ما تهدم”.

كلمات البحث
شارك المقال