بعد 18 عاماً… بقيَ الحريريون

عاصم عبد الرحمن

قالها سعد الحريري وبالفم الملآن وأمام آلاف المحتشدين: “مَنْ كانوا اليوم في ساحة الشهداء هم ضمانة لبنان ورمز الاعتدال وأنا لن أتركهم”. فمن هم هؤلاء وفق أدبيات الحريرية السياسية؟

على الرغم من اشتعال سعر صرف الدولار في السوق السوداء والذي يلقي بظلاله على الاقتصاد الوطني وألهب معه أسعار المحروقات، أبى الآلاف من اللبنانيين إلا أن يحملوا أعلام لبنان وتيار “المستقبل” متجهين نحو ساحة الشهداء حيث يرقد الشهيد رفيق الحريري ورفاقه منذ 18 عاماً. انتظرت الحشود مرددةً شعارات الوفاء للرئيس الذي سقط دفاعاً عن لبنان العظيم، والولاء للزعيم الذي أبوا أن يحمل سواه راية الطائفة والوطن، معلنين الاعتصام بحبل الانتظار حتى يأتيهم يقين العودة إلى العمل السياسي التقليدي المعلق، وجلاء غيوم الأسباب التي دفعت إلى هذا الخيار وأهمها سوء الادارة ومحاولات الهيمنة السلطوية تحت غطاء حقوق الطائفة التي أحرقوها كما قال سعد الحريري، الذي انهمرت دموعه جراء هول الحشود التي لا تزال تنبض حباً والتزاماً بمشروع الحريرية السياسية الوطنية، مشاعر دفعت الحريري الابن إلى اختراق البروتوكول الأمني ليرمي بنفسه بين أحضان الأوفياء متلمساً حضرة القلوب التي ملأ خفقانها أذنيه، إنها قوة الجاذبية التي تنفث محبة خالصة خالية من كل مصلحة مادية، فالحوار في هذه اللحظات إنما يجري بين قلب وقلوب.

مع شروق الشمس التي شاركت الحريريين مراسم إحياء الذكرى الـ 18 لاغتيال رفيق الحريري، بدأ المستقبليون بالتوافد إلى ساحة الشهداء كلٌّ يحمل شعاره على شفتيه أو بين يديه أو حتى بنظرات عينيه. حمل مواطنون لافتة كُتب عليها “معك مهما صار”، مواطن آخر يردد “إلا سعد الحريري”، عجوز يرتجف صوتها أبت إلا أن تطلق زغاريد المحبة والوفاء، وعلى درج مسجد محمد الأمين الذي حلُم به رفيق الحريري طويلاً، تجمهر الناس قبل ساعات ليكونوا سباقين الى مواكبة وصول سعد الحريري ليهتفوا ويلوحوا ويعبّروا بكل ما أوتوا من محبة وولاء. مواطن آخر يقول: “أنا هنا فقط لأقول لا بديل عن سعد الحريري في الطائفة والوطن والوجدان”.

لم يكتفِ الحريريون بمواكبة الحريري الابن عند ضريح الحريري الأب، بل عزموا على اللحاق به سيراً على الأقدام إلى “بيت الوسط” الذي أعلن سيده أمام الحشود أنه سيبقى مفتوحاً لمتابعة المسيرة الحريرية إلى جانب الناس، كل الناس. وفي الطريق هرول الشبان مسرعين نحو بيت الوفاء، خرقوا الحواجز الأمنية وتوجهوا نحو باب الرئيس سعد الحريري الذي خاطبهم بما أخبره قلبه عن حبهم وحبه. سارت إمرأة ببطءٍ شديد إذ أنهكتها الأزمة المالية التي تعصف بلبنان ولم تنهكها خطواتها المتعبة نحو لقاء ولدها الوفي. رجلٌ آخر طلب العون من عصاه وعلى الرغم من بضع استراحات فرضت نفسها عليه في طريقه إلا أنه وصل إلى بيت الوفاء. فتاة تمسك بيد والدتها طالبةً إليها الاسراع في خطواتها كي لا تفوتها نظرة أو كلمة أو ربما موقف انتظره جميع الحريريين.

إذاً، ومنذ تعليقه العمل السياسي انفضَّ من حول سعد الحريري الوصوليون والمنتفعون، وحدهم بقوْا مرابطين، إنهم الحريريون المخلصون الذين يشكلون ضمانة لبنان ورمز اعتداله.

كلمات البحث
شارك المقال