خامنئي ونصر الله و”الهيمنة الأميركية” ثالثهما!

جورج حايك
جورج حايك

كلّما شعر الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله بتململ في بيئته يستحضر “المؤامرة الأميركية” وسعيها إلى الهيمنة على لبنان وغيره، وبالتالي هذه النظرية القديمة الجديدة، لا تزال تنطلي على بعض جمهوره وأنصاره ولو أصبحت مستهلكة، علماً أن مرجعيته الايرانية عاشت طويلاً على “نظرية المؤامرة” وكانت آخر استعمالاتها في مواجهة الاحتجاجات التي تأججت في الشارع الايراني إثر مقتل مهسا أميني في 16 أيلول الفائت.

ويبدو أن نصر الله تلميذ شاطر بل سبّاق في استخدام هذه النظرية “الخشبيّة”، فقد استحضرها في 17 تشرين الأول 2019 عندما أطلق على الثوار شعار “جماعة السفارات”، واعتبر أن تمويلهم أميركي، ضارباً عرض الحائط بكل الواقع المأساوي الذي يقف “حزب الله” خلفه من خلال حماية المنظومة الفاسدة التي تمنح الغطاء السياسي لسلاحه.

لا شك في أن الجمهورية الاسلامية الايرانية التي جاءت بفعل ثورة آية الله الخميني عام 1979، تسلمت السلطة، واعتمدت أدبيات “الهيمنة الأميركية” ومؤامرتها على النظام الايراني إثر انتصار الثورة عام 1979، وكان هذا النظام يستحضر المؤامرة الكونية كلّما استعرت الاحتجاجات وباتت خارجة عن التحكّم كما حصل عام 2009 و2017 و2019 و2022، حتى يسمح لنفسه بمواجهة وقمع أي حركة احتجاجية تطالب بالحقوق والحريات الشخصية!

ولو كانت هناك مؤامرة أميركية، وفق نظرية علي خامنئي وحسن نصر الله، لما كنا لنرى بأم العين سياسات واشنطن تتناقض مراراً وتتخلى عن شركائها وحلفائها، و”تسمح” لطهران بأن “تفوز بالجولات” الواحدة تلو الأخرى، وتتوسع في المنطقة وتنفلش عسكرياً، وأمنياً، وسياسياً، وتطلق الصواريخ البالستية حيث تريد، وتفرض شروطها في هندسة الاتفاق النووي، وواشنطن “تتفرج” وتتردد، ومتراجعة أمام العناد الايراني. وهذه ليست خرافات، بل أمور تحصل على أرض الواقع، وهي ملموسة ومرئية. فكيف نصدّق خرافات إيران و”حزب الله” المؤامرتية؟ الجواب هو أن هناك وقائع وهنالك خرافات والمسألة أن يتمكن الناس من التمييز بين الاثنتين.

في الواقع هناك تململ داخل جمهور الثنائي الشيعي في لبنان، مع تردي الأوضاع الاقتصادية والذي أحد أسبابها توتر علاقات لبنان بأشقائه العرب، بحيث انقطعت مساعداتهم عنه نتيجة سياسات “حزب الله” ضدهم لمصلحة إيران، بل ان “الحزب” أحدث أزمة طبقية داخل البيئة الشيعية المناصرة له سببها الدولار، وهذا يُنذر بتفاقم الأوضاع بين جمهوره، خصوصاً أن الذين ليس لديهم مدخول شهري من “الحزب” يُشكّلون نحو 90% من الشيعة المناصرين له. ويلجأ “الحزب” إلى استخدام “شمّاعة” الهيمنة الأميركية ضد لبنان وضد سلاحه لمنع الناس من التعبير عن غضبهم.

يشعر “الحزب” أن الشارع قد يفلت من بين يديه، ويتّهم أميركا بأنها تحاصر لبنان، فيما الحقيقة أن الحصار موجود بسبب ربطه بمحور البؤس والشرّ الذي خلق للبلاد مشكلات مع معظم دول العالم، لا سيّما مع أشقائه العرب القادرين على مساعدته أكثر من غيرهم، إضافة إلى سوء إدارة الدولة، والاستباحة التي تتعرَّض لها مؤسساتها الرئيسة من القوى النافذة.

غالبيّة واضحة من اللبنانيين تعتقد أن ايران و”الحزب” يستخدمان لبنان ساحةً للمماحكة الدوليّة والاقليمية تحت شعاراتٍ واهية بمقاومة إسرائيل أدت إلى الانهيار، وعزل لبنان، وقوّضت مصالح أبنائه، بينما الذين استفادوا من لبنان كمنصّة لدعم سياستهم التوسعيّة في الإقليم مثل “الحزب” لم يقدِّموا للنّاس سوى الشعارات الخشبيّة! بل أكثر من ذلك شرّعوا حدود لبنان أمام التهريب، ومنعوا الحكومة اللبنانية من اجراء الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي. ويجب أن لا ننسى أن “الحزب” المارق سهّل اتفاق ترسيم الحدود مع الولايات المتحدة، وأتاح لاسرائيل الافادة من حقل “كاريش”، فيما لبنان لا يعرف ماذا يتضمن حقل قانا حتى اليوم، ولم يكتف الأمين العام لـ”الحزب” بذلك إنما هدّد بشنّ حرب على اسرائيل لتوجيه رسالة الى الأميركيين، فهل يُعقل أن يناقض نفسه إلى هذا الحد؟!

بات مصطلح “الهيمنة الأميركية” نقطة ارتكاز خطاب “حزب الله” وأدبياته، فهذا المصطلح المؤلّف من كلمتين يُستخدم لتجييش بيئة الحزب باتجاهين:

الاتجاه الأول تحميل “الهيمنة الأميركية” مسؤولية المآسي والكوارث التي تصيبهم، وذلك طبعاً من أجل رفع المسؤولية عن حزبه وتحميلها للأميركيين على الرغم من أنهم لم يسرقوا الـ100 مليار دولار من ودائع اللبنانيين، ولم يبددوا قروضاً اقترضتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة قيمتها 100 مليار دولار أيضاً، ولم يعطّلوا جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ولم يرعوا التهريب إلى سوريا، ولا يقفون خلف تصنيع الكابتاغون وتهريبه، ولم يحذّروا رعايا الدول الخليجية من زيارة لبنان، ولم يعكّروا علاقات لبنان بالسعودية، وليسوا مسؤولين عن فشل القطاع الكهربائي والقطاعات كلّها بدءاً برفضهم الاصلاحات في القطاع العام، ولم يتلاعبوا بالسوق السوداء، وليسوا مسؤولين عن عدم تطبيق اتفاق الطائف والاصرار على سلاح غير شرعي من خارج المؤسسات ورفض تطبيق القرارات الدولية.

فمن بدّد المال العام وأفلس الدولة ونهب جنى عمر المودعين وأساء إلى علاقات لبنان الخارجية وأطاح بالدستور هو “حزب الله” ومنظومته وليس الأميركيين.

الاتجاه الثاني الذي يعمل عليه “حزب الله” في سياق استخدامه للمصطلح السحري “الهيمنة الأميركية” إبقاء بيئة الحزب في حالة التعبئة القصوى المستمرة لسببين:

الأول، لمنعها من التفكير في أوضاعها الحياتية المأساوية وإيهامها بمؤامرة ستطيحها عن بكرة أبيها في حال تراخت وتلاشت وعاشت حياتها بصورة طبيعية، وما عليها سوى تحويل الجوع والفقر والجهل إلى مادة للمواجهة ضد الاستكبار والعنجهية والاستعمار.

والسبب الثاني مردّه إلى اعتقاد “الحزب” أنّه بقدر ما يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الأميركيين، أي حارة حريك في مواجهة حارة واشنطن، بقدر ما يوهم جماهيره بحجم المؤامرة الكونية ضدّه وينجح في تعبئتها، لأنّه إذا وضع نفسه في مواجهة القوى السياسية المحلية لا يستطيع أن يحشد جماهيره ضدّها، ولذلك يصوِّر هذه القوى بأنها أدوات لمشروع أميركي رجعي ومتخلِّف يريد القضاء على مشروع الثورة الايرانية الحديث والمتطوِّر!

المشكلة كلّها في لبنان وسوريا والعراق واليمن والمنطقة، تكمن في “الهيمنة الايرانية” بواسطة أذرعها التي تزعزع استقرار المنطقة وتحوِّل كلّ دولة تحلّ فيها إلى دولة مفلسة وغير مستقرة وفاشلة ومارقة، ولن يرتاح لبنان قبل أن يسلِّم “حزب الله” سلاحه الى الدولة اللبنانية، وقبل ذلك لا أمل باستقرار ولا بازدهار!

شارك المقال