سعد الحريري… تغير في الملامح والأداء!

زياد سامي عيتاني

بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لجريمة العصر، ومن وحي الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا، ووصلت إرتداداته إلى لبنان، حيث شعر أبناؤه بهزة مرعبة، لم يألفوها منذ زمن بعيد، مما جعلهم يعيشون لحظات من الهلع والخوف الشديدين، نتذكر زلزال “السان جورج” المفتعل بفعل فاعل قاتل ومجرم بواسطة ألفي كيلوغرام من مادة “السي فور” لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وتسبب حجم ذلك الزلزال “المفتعل” وتأثيره في إحداث تدمير شامل وجذري، ليس في المباني والمنشآت وحسب، بل في معالم الحياة السياسية في لبنان والمنطقة، ولا تزال مفاعيله الارتدادية المتواصلة تتسبب بتدمير ما تبقى من مقومات الدولة اللبنانية وسبل عيش مواطنيها المستحيل!

وما وصلت إليه الأوضاع على الصعد كافة من إنهيار، وأمام عبثية وعقم الطغمة السياسية الممعنة في مواصلة نهجها التدميري، كان سبباً لزلزال سياسي آخر، صامت ومن دون أن يتسبب بأي أضرار، تمثل في قرار نجل من قضى في الزلزال الأول، الرئيس سعد رفيق الحريري، بتعليق عمله السياسي، تجاوباً مع مطالب الشعب الذي إنتفض في وجه الطبقة السياسية، والذي أطلق على ذلك الحراك “ثورة تشرين”، وذلك بعدما توصل إلى قناعة راسخة بأنه لم يعد ممكناً مع هذه الطبقة السياسية أن تقوم قيامة لبنان مجدداً.

قد يقول قائل، إنه كان جزءاً من هذه الطبقة، وهذا أمر صحيح، لكنه تحمل المسؤولية بكل جرأة وشجاعة وطنية وأخلاقية، وعزف عن الترشح هو وتياره السياسي الى الانتخابات النيابية الأخيرة، فاسحاً المجال واسعاً ومشرّعاً أمام الناخبين لاختيار ممثلين جدد عنهم في الندوة البرلمانية.

قد تكون هناك أسباب موضوعية أخرى محلية وخارجية خلف قرار الحريري بتعليق عمله السياسي، لكن المؤكد أن الفراغ الذي أحدثه قراره، تسبب بخلل كبير في المعادلة الوطنية، على الرغم من كل المحاولات لسد هذا الفراغ أو إستثماره سياسياً، والتي لم يحصد أصحابها ومن يحركهم سوى الخيبات والاخفاقات.

وما دمنا لا نزال نعيش الأجواء الكارثية لزلزال تركيا، والتخوف من حصول زلزال إجتماعي في لبنان، لا شك في أن العودة المؤقتة أياماً معدودات للرئيس سعد الحريري (وبخيار منه)، لحرصه على إحياء ذكرى والده الشهيد (من دون سائر أشقائه)، شكلت زلزالاً هادراً وعاصفاً من نوع آخر (إيجابي هذه المرة)، عندما وجد أن جمهوره إنتظر عودته، وهو يعرف أنها محدودة زمنياً، ليجدد له الولاء والمبايعة، على الرغم من إدراكه أن مفاعيل الابتعاد عن المسرح السياسي لا تزال قائمة، مما يؤكد بما لا يقبل الشك أن الحريري الأب والابن، ما زالا حاضرين في وجدان جمهورهما وعقله، إضافة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين العقلاء ومختلف الطوائف.

على الرغم من هذه المشهدية، فإن كل من تسنى له لقاء الرئيس الحريري في “بيت الوسط” لمس تغييراً جذرياً وجوهرياً في شخصيته، شكلاً وأداء.

فقد بدا الرجل أكثر حيوية بنحافة صحية، قيل انها ناتجة عن اعطاء مساحة كبيرة من يومه للرياضة، وعلى الرغم من صلابته في الموقف لم تغب عنه روح النكتة، فضلاً عن ملاحظة البعض تمكن الحريري من استخدام ملامح على وجهه لا توحي بأي إيحاءات تعبيرية وهي مقدرة ليست سهلة.

سأل كثيرون عن حالته الصحية، لكن المعطيات تؤكد أنه بخير وأن “للرياضة أفعالها”.

إذا كان على هذا النحو، بدا مظهره الخارجي، فإن أداءه بدوره بات مختلفاً بصورة لافتة، بحيث لحظ أمرين أساسيين:

1- جميع إستقبالاته ولقاءاته السياسية والديبلوماسية، كان يعقدها بحضور مستشاريه وفريق عمله، فيما أعطى لكثيرين دقائق منفردة.

2- كانت له لقاءات مركزية مع هيئات تيار “المستقبل” ولقاء جمع نواباً سابقين وأعضاء المكتبين السياسي والتنفيذي. فيما كان الحضور مفتوحاً لبقية هيئات التيار من منسقيات وقطاعات، ولم يتجاوز الاجتماع التنظيمي العموميات، وتجديد التأكيد على ما هو مؤكد.

3- حرص أجوائه ومصادره على الاحاطة والتركيز على لقاءاته مع قيادات من كل الأطياف والطوائف والمناطق، وكان لافتاً الحضور المسيحي كالرئيسين أمين الجميل وميشال سليمان، وأيضاً رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل، فضلاً عن لقاء مع وفد “القوات اللبنانية” الذي ضم عشرة نواب وأهميته أنه كان اللقاء الأول منذ القطيعة.

على الرغم من هذا التحول في النسخة الجديدة من شخصية سعد الحريري، وعلى الرغم من صمته السياسي المدوي، فإن ما لفت المراقبين، خرقه لهذا الصمت من خلال دردشة بعيداً عن عدسات “الكاميرات” مع الصحافيين، بحيث عرف كيف يوجه رسائل سياسية مقتضبة في إتجاهات مختلفة، ربما فاقت بأهميتها أي خطاب كان من الممكن أن يلقيه في جموع المحتشدين أمام ضريح والده.

إلا أن أبرز ما استوقف المراقبين والمتابعين، قوله: “لم يكن لدي أيّ شيء أقدّمه في السياسة، وكنت أرى إلى أين سنصل وليس باستطاعتي القيام بأيّ أمر”….

هذا الموقف الواضح والصريح من زعيم سياسي، في زمن جنون العظمة السياسية، يشكل علامة فارقة في التواضع والجرأة وتحمل المسؤولية، لكنه في الوقت نفسه يطرح سؤالاً مركزياً: هل بلغ اليأس عند سعد الحريري من واقع لبنان ومستقبله، حد الاقتناع باستحالة معافاته، وبالتالي تعليق عمله السياسي، هو مقدمة لاعتزاله نهائياً؟ أم أنه تتوافر لديه معطيات بأن ثمة مقاربة جديدة لدى عواصم القرار الغربية والعربية مع الأزمة اللبنانية، من شأنها الاطاحة بالواقع المأساوي الراهن، تمهيداً لقيامة جديدة للبنان جديد، تجعله يراقب التطورات عن بعد؟

شارك المقال