إلى متى التعطيل؟

صلاح تقي الدين

بات واضحاً أن اللبنانيين يعيشون اليوم عواقب التعطيل الذي يمارسه “التيار الوطني الحر” الذي لا يريد رئيسه النائب جبران باسيل أن تنتظم الحياة الدستورية ما لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية مضمونة لصالحه سواء بانتخابه شخصياً، وهذا أمر من سابع المستحيلات، أو أن يكون الرئيس “صنيعته” إن جاز التعبير، وذلك صعب المنال.

وهذه السياسة ليست وليدة اليوم ولا مرتبطة بالانتخابات الرئاسية وحسب، بل هي مسار اختاره باسيل طيلة ولاية عمه الرئاسية خلال السنوات الست المنصرمة من خلال وضع الشروط التعجيزية أمام إقرار المراسيم التي تصدر عن الحكومة ومشاريع القوانين المحالة على مجلس النواب.

والشواهد التي يمكن إيرادها عن العصي التي وضعها باسيل أمام قطار الحكومات المتعاقبة خلال ولاية عمه، أو مشاريع القوانين المحالة على مجلس النواب كثيرة، غير أنها استفحلت بعد انتهاء ولاية “العهد القوي” بحيث بدأ باسيل يشعر بأنه فقد القدرة على التحكم بسياسات الدولة ولم تعد له كلمة مسموعة، فعاد إلى النغمة القديمة من التعطيل خصوصاً في تأمين انعقاد جلسة انتخابات رئاسية، ومحاولات مستميتة لعدم عقد جلسات لحكومة تصريف الأعمال بحجة عدم مصادرة صلاحيات الرئيس الماروني.

والمثير أن باسيل الذي تنعّم بالسلطة طيلة السنوات الماضية، ما كان لينعم بها لولا الدعم غير المتناهي لـ “حزب الله” الذي أوصل عمه إلى قصر بعبدا وأتاح له التحكّم بالسياسات العامة للدولة من دون حسيب أو رقيب.

غير أن باسيل هاجم “حزب الله” خلال انعقاد الجمعية العمومية لقطاع الشباب في “التيار الوطني الحر” من غير أن يسمّيه، ما دفع مصادر مطلعة إلى القول بأن باسيل قطع الباب أمام كل التسويات الممكنة مع الحزب حول اسم الرئيس العتيد، وربما أعلن بصورة غير مباشرة نعيه ورقة تفاهم “مار مخايل” التي أبرمها مع الحزب منذ العام 2006.

وقالت المصادر لموقع “لبنان الكبير” إن باسيل كان يصعّد لهجته ضد “حزب الله” منذ فترة ليست بعيدة وتحديداً منذ أن بدا له أن الثنائي الشيعي يدعم بصورة أساسية رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، في حين أنه كان يمني النفس بأن يكون خليفة عمه في قصر بعبدا.

ووجه باسيل سهامه مباشرة إلى الحزب عندما قال: “يريدون تنفيذ إصلاحات، لكنهم في الوقت نفسه يريدون الاجتماع والإتيان برئيس للجمهورية فاسد، ورئيس حكومة فاسد وحاكم مركزي أكثر فساداً منهم وبحمايتهم؛ ويزعلون إذا قلنا لا”، مشدّداً: “لا و100 لا”.

وكان باسيل قد انتقد مراراً عديدة عدم وقوف “حزب الله” إلى جانبه في ما يسمّيه تطبيق برامج الاصلاح التي وضعها، فاستغل مناسبة مخاطبته قطاع الشباب في تياره بأن استعاد مقولة الاصلاحات وبناء الدولة والتي “لم يقف حزب الله معنا لتطبيقها”.

وباسيل الذي يشن حملة عنيفة ضد وصول فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى بعبدا، كان قد وجه انتقادات لاذعة الى فرنجية من حيث اتهامه بالانتماء إلى “منظومة الفساد والسلطة نفسها”، ولم يوفّر قائد الجيش من اتهامات تتعلق “بتجاوز الصلاحيات الممنوحة له وفساد في إدارة المساعدات التي يحصل عليها الجيش”.

ولأن باسيل هو المتهم الأول بالتعطيل فقد رفض “تهديدنا بالفوضى أو بعقوبات، أو فراغ في الحكومة ومجلس النواب”، مضيفاَ: “رئيس الجمهورية نختاره بقناعتنا، ولا أحد يفرضه علينا. رئيس جمهورية على ظهر الفوضى، مثل رئيس على ظهر الدبابة الإسرائيلية”.

وكان الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله قد حذّر في كلمة متلفزة الخميس الماضي، من إثارة الفوضى في البلاد، في وقت حذّرت فيه أوساط سياسية وأمنية لبنانية من الفوضى أيضاً.

وأضافت المصادر: “إن هذا التصريح العنيف لباسيل يعني قطع العلاقة مع الحزب، وإنهاء التفاهم. لقد دخلت البلاد في منعطف خطر لجهة رفض باسيل تسوية كاملة يجري العمل عليها في الأوساط السياسية الداخلية، تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وحاكمية مصرف لبنان، كون ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة تنتهي في حزيران المقبل”.

وفي هذا الاطار، تساءلت المصادر: “هل يعي السيد باسيل أن عمّه الذي وعد اللبنانيين بجهنم قد نفّذ وعده، وأن سياساته التعطيلية سوف تأخذنا إلى قعر أعمق بكثير من الذي أوصلنا إليه عمّه؟”.

وحقيقة الأمر أن المواطن اللبناني الذي يئن نتيجة تآكل قدرته الشرائية، والقضاء الذي أًصبح على قاعدة “حارة كل مين إيدو إلو”، والمدارس والجامعة اللبنانية التي على وشك إعلان الاقفال العام وانتهاء العام الدراسي، والمستشفيات التي حتى الميسورون من اللبنانيين غير قادرين على الاستشفاء فيها، ناهيك عن أسعار الخضروات واللحوم التي تحّلق يومياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، لم يعد يكترث لاسم الرئيس العتيد أو شخصيته، بل جلّ همه أن يعود الانتظام العام لكي يوضع قطار الحل على السكة، علّه بذلك يبدأ برؤية الضوء في نهاية نفق “العهد القوي”.

شارك المقال