هل وصل زواج “مار مخايل” الماروني إلى الطلاق البائن؟ (1)

زياد سامي عيتاني

“ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، تمرّ في مرحلة حرجة”، جملة قالها الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، تختصر واقع العلاقة بين الطرفين، بعد حوالي ١٧ عاماً على إبرام إتفاق “مار مخايل”.

إنها المرة الأولى التي يشير فيها السيد بوضوح إلى ما بلغته العلاقة مع التيار البرتقالي من تدهور، وإن بعبارات مخففة، وذلك بالتزامن مع إبلاغ رئيس التيار جبران باسيل، بأن لا ضرورة لترتيب لقاء له مع السيد، طالما أنه رافض بصورة قاطعة التعاطي بإيجابية مع مرشح الحزب الأقوى سليمان فرنجية.

في المقابل، فإنّ باسيل في خطابه الأخير خلال المؤتمر العام الشبابي للتيار، بحضور مؤسّسه الرئيس السابق ميشال عون (!) شنّ هجوماً على نصر الله، من دون أن يسميه.

لا شك في أنّ انفجار الصراع “المكبوت” والمؤجّل بين الحليفين، جاء علناً هذه المرة على نحو مباشر، على خلفية الاستحقاق الرئاسي، بعدما لمس باسيل قرار الحزب غير المعلن حتى الآن بتبني فرنجية كمرشح أوحد لرئاسة الجمهورية، مما دفعه الى رفع وتيرة خطابه التهجّمي على سيد الحزب بقوله:

“بدّهم يعملوا إصلاح، بس بدّهم يجتمعوا ويجيبولنا رئيس جمهورية فاسد، ورئيس حكومة فاسد، وحاكم مركزي أفسد منهم وبحمايتهم… وبيزعلوا اذا قلنا لا! لا ومئة لا!”.

وبكلامه هذا، تقصّد باسيل شنّ هجوم شامل، وفي أكثر من إتجاه، للعبور من خلاله إلى إستهداف الحزب نفسه، موحياً بأنّه هو من يقف وراء الفساد، ويحمي الفاسدين، وبالتالي يعمل على إيصالهم لتبوّؤ أعلى المناصب، بما فيها رئاسة الجمهورية، حاسماً موقفه الرافض قطعياً من ترشيح فرنجية، عندما وصفه من دون إعلان اسمه بالفاسد.

وذهب باسيل إلى أبعد من ذلك، عندما قال: “ما حدا يهدّدنا بالفوضى أو بعقوبات أو بالفراغ وبالحكومة وبمجلس النواب… ورئيس الجمهورية امّا منختاره بقناعتنا وما حدا بيفرضه علينا، ورئيس جمهورية على ضهر الفوضى متل رئيس على ضهر الدبابة الاسرائيلية”!.

هذه المواقف التصعيديّة لباسيل ضدّ الحزب، التي تجاوزت الخطوط الحمر، ليس هدفها حرق أسماء منافسيه، وفي مقدمهم فرنجية، إنما تأتي ترجمة لما آلت إليه العلاقة بين حليفي الأمس من تصدّع، بات يهدّد مفاعيل ورقة التفاهم، وما أخفت من اتفاقات، بقيت غير معلنة إلا عند تنفيذها.

فهل قرّر باسيل المأزوم، الدخول في مواجهة سياسية مباشرة مع نصر الله؟ وبالتالي هل بات يشعر وسط عزلته السياسية، أنّ تحالفه مع الحزب بات عبئاً ثقيلاً عليه؟

لا تنكر مصادر مقرّبة من باسيل أن تكون “الجرة” بينه وبين الحزب قد انكسرت، وأنّ ترميمها بات يحتاج إلى جهد إستثنائي، بمنطلقات وبنود جديدة، وإلّا فإنّ الطلاق بائن!

وتشير مصادر التيار الى أنّ تفاقم الخلاف، بدأ فور الشغور الرئاسي، فمقاربة الحزب للاستحقاق الرئاسي، لم تراعِ توجّهات التيار ورغباته في إيصال رئيسه الى سدة الرئاسة، استكمالاً للتحالف بينهما، خصوصاً وأنّ الرئيس ميشال عون تحمّل ما لم يُحتمل لحماية ظهر الحزب ومغامراته (!).

وتتّهم المصادر نفسها الحزب بأنه لم يحترم موقع الرئاسة الأولى وصلاحياتها، عندما وفّر الغطاء لانعقاد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة، حينها اتهم باسيل الحزب بأنّه وراء دعوة ميقاتي التي عارضها هو بشدة، معتبراً أنّ “مشكلتنا ليست مع ميقاتي بل مع مشغليه وإلّا لما تجرّأ على الدعوة”.

كما أعاد التذكير بأن “الثنائي الشيعي” عطّل مجلس الوزراء مطلع العام 2021 لاعتراضه على منحى التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وكأنّه كان يغمز من قناة الحزب بأنّه يقف وراء تخزين نيترات الأمونيوم.

كما لم يفوّت باسيل تمنين الحزب بوقوفه إلى جانبه في مرحلة الصراع بين قوى 14 و8 آذار، وتغطيته في معركته الشرسة مسيحياً، مذكراً إياه بأن “الشراكة عندما تنكسر تصبح عرجاء سواء أكانت وطنية أم حزبية”.

وتوّج موقفه التصعيدي من الحزب يومها بقوله: “لا قيمة ولا قيامة لأي تفاهم وطني يناقض الشراكة الوطنية، وما حصل ليس أقل من سطو على موقع رئاسة الجمهورية”.

وتؤكّد مصادر التيار أنه لم يعد مقبولاً القفز فوق مبدأ الشركة والارادة المسيحية، خصوصاً في ما يتعلّق بشخص الرئيس ومواصفاته، وكذلك شخص رئيس الحكومة والتركيبة الوزارية. وهذا ما دفع باسيل الى وضع النقاط على الحروف، من دون قفّازات بيضاء، في محاولة منه لحثّ الطرف الآخر على إعادة النظر في تعاطيه مع التيار، من خلال العودة إلى جذور التفاهم “المهزوز” وثوابته، وإلا فإنّ النبرة العالية ستعقبها مواقف عملانية حاسمة وجذرية.

إذا كانت هذه هي قراءة التيار لتدهور علاقته مع الحزب، فما هو موقف الأخير منها؟

(يتبع)

شارك المقال