“طلاق صامت” بين الطرابلسيين وبلديتهم… فهل يتحمسون للانتخابات؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يُبدي الطرابلسيّون حماسة للانتخابات البلدية المقبلة حتّى هذه اللحظة، إذْ لم يقتنع بعضهم بالوعود التي قطعها الرسميّون بالتزامهم إجراءها، وكان آخرها تأكيد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عدم رغبته في تأجيلها بل إجراؤها في توقيتها المحدّد، أمّا البعض الآخر فينتظر التنفيذ فعلياً بدلاً من التفكير فيها حالياً، فيما لا يخطر هذا الاستحقاق على بال الكثير من المواطنين الذين يُفكّرون في كيفية البحث عن لقمة عيشهم ومواجهة الغلاء الفاحش.

يخشى الطرابلسيّون عموماً على مصير بلديتهم، فلا يخفى على أحد الاحباط الكبير الذي عاشوه بعد عملية إحراق المبنى البلدي الذي يُمثل معلماً تاريخياً رئيساً في المدينة لم يرمّم على الاطلاق، ولا تزال “الهالة” السوداء تٌحيط به من كلّ زاوية، كما لا يُمكن القول انّهم لا يرغبون في تجديد المشهد البلدي الذي يصفه الكثيرون بالفاشل مع عهود بلدية لم يُكتب لها النجاح بقدر ما سجّلت ملفات وقضايا مالية وإدارية يرى المسؤولون عنها أنّها مجحفة بحقّهم وغير صحيحة على الاطلاق.

وعلى الرّغم من شعور الكثير من المواطنين بالمسؤولية تجاه بلديتهم وإحساسهم بأهمّية الدفاع عنها والمحافظة عليها تحديداً من أيّ تدخل سياسي “سافر” وغريب عن المدينة، إلا أنّهم لا يُدركون الواجبات المترتبة عليهم لتقديمها لها، في وقتٍ لا تُقدّم لهم هذه البلدية أيّ خدمات أو ما يُعرف بالحقوق، بل يشير الطرابلسيّون الى أنّهم لا يسمعون بها أو ببياناتها المرتبطة بالمدينة إلّا في حال واحدة وحسب ترتبط على الأرجح بالفواتير المالية والضرائب والتي غالباً ما يُحاول البعض تخطّيها أو التهرّب منها بصورة غير قانونيّة، الأمر الذي يُوضح أحياناً حالة “الطلاق الصامت” التي تشوبها الغيرة والأنانية حين يشعر الطرابلسيّون بوجود طرف ثالث جديد وغريب عن هويتهم يرغب في اتخاذ قرارات مخالفة أو “مواربة” للقانون والعرف حيناً، أو قيامه بتهميشها والتقليل منها حيناً آخر، ما يدفعهم إلى اتخاذ وضعية “الهجوم” ضدّ من شنّ الهجوم عليهم بنظرهم، وهو ما يُفسر كرههم عموماً لمحافظ طرابلس والشمال رمزي نهرا.

وزادت انتخابات رئيس البلدية الأخيرة والتنافس القائم بين أحمد قمر الدّين ورياض يمق الوضع سوءاً، إذ لم تُحسم بعد النتيجة بين الطرفين، وإذا كان القضاء قد حكم بينهما، إلا أنّ الواقع السياسي المجهول أخيراً لم يضع رئيس البلدية أمام مسؤوليته التي عليه الالتزام بها لأشهر، بل تمكّن من تضييع المهمّات المتوجبة عليه في تكريم من هنا واستقبال من هناك، أمّا عن الانجازات فحدّث ولا حرج.

في الواقع، إذا صحّ كلام المسؤولين عن موعد الاستحقاق المقبل ورغبتهم في إجرائه نظراً الى أهمّيته للبلديات كافةّ، فانّه سيكون مختلفاً عن الانتخابات الماضية وما سبقها في طرابلس لأسباب عدّة أبزرها مرتبط بالتدخلات السياسية التي سيكون صداها “خافتاً” على الرّغم من نيران الأزمة التي تحرق المواطنين.

إذًا، المشهد الراهن البعيد كلّياً عن الاختراق السياسي المعتاد والدعم الدولي الغائب أو المتراجع إلى حدّ كبير يُظهر أنّ السياسيين في طرابلس لم تعد تعنيهم المنافسة على البلدية كما كان يحدث في السنوات الماضية، فلن يتنافس النائب أشرف ريفي لاستلام زمام الادارة فيها ولو من بعيد بعد إعلانه الاخفاق فيها قائلاً: “لم أعد معنياً بعملها”. أمّا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فينصرف أكثر الى الاهتمام بوضعه حكومياً، فيما أظهرت الأزمة القانونية التي كانت حصلت بين قمر الدّين ويمق الكثير من التجاهل السياسي لادارة البلدية ورئيسها، مع العلم أنّ هذه المشكلة كان يُمكن أن تدفع في حال إهمالها إلى ضرب صورة المدينة وهيبتها، إلا أنّ أياً من نواب طرابلس لم يُبادر إلى حلّ الاشكالية بل كان بعضهم يتجاهل هذه المسألة بعدم إظهاره أيّ موقف مناصر أو مناهض لها، والحياد سيّد الموقف في قضية لا تزال مفتوحة حتّى هذه اللحظة، ما يعني أنّ الاهتمام السياسي بالبلدية لم يعد كما كان في السابق، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدّة عن شكل التحالفات المقبلة التي يُتوقّع لها ألّا تكون ثابتة، بل سنكون على استعداد لرصد إعداد وإنتاج خريطة تحالفات ومواقف متناقضة في حال أجريت هذه الانتخابات فعلياً.

شارك المقال