هل وصل زواج “مار مخايل” الماروني إلى الطلاق البائن؟ (2)

زياد سامي عيتاني

هل دخلت العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، غرفة العناية الفائقة، بعد تصدّع تفاهم “مار مخايل”، من جرّاء الحرب الكلامية بالأسلحة الثقيلة بين الطرفين؟

بعدما استعرضنا في الجزء الأول من هذه القراءة، موقف التيار الباسيلي، نتناول في هذا الجزء، موقف الحزب من تفجّر الصراع بينه وبين حليفه، وما إذا وصلت الأمور الى حدّ الطلاق.

تؤكّد مصار الحزب أنّ تفاهم “مار مخايل” أُبرم مع الجنرال ميشال عون، لمّا كان رئيساً لـ “التيار الوطني الحر”، والذي كان ممرّاً لوصوله الى الرئاسة الأولى، بحيث قاد الحزب معركة سياسية شرسة للإيفاء بوعده تجاهه، مما أبقى البلاد في حالة فراغ لمدة سنتين ونصف السنة، بكلّ ما خلفه هذا الفراغ من تداعيات جمّة، تحمّل الحزب وزرها، تأكيداً على التزامه بتحالفه الاستراتيجي مع عون. وتضيف المصادر، أنّ ما ينطبق على عون، لا ينسحب على باسيل، من دون أن يعني ذلك تخلي الحزب من طرفه عن مندرجات التفاهم مع التيار، ما دام الأخير ملتزماً به.

وتردف المصادر، أنّ عون أورث صهره تياره السياسي عند توليه الرئاسة، إضافة إلى الكثير من صلاحياته الرئاسية، ومنحه بكامل إرادته وكالة حصرية لما يمثّل من حالة سياسية وشعبية على الصعيد المسيحي، متنازلاً عن دوره وموقعه له، من دون أن يجيد باسيل استخدامهما، مما جعله يعيش مبكراً (من دون مبرر) نشوة رئاسة الجمهورية، وكأنّه وليّ للعهد!

ويسجّل الحزب في هذا السياق عتباً كبيراً على عون شخصياً، لأنّه كان حاضراً خلال الكلمة “النارية” لباسيل الذي شنّ من خلالها هجوماً غير مسبوق على الحزب، مستهدفاً أمينه العام شخصياً، مما يعني أنّ عون موافق على قصفه المركّز على حارة حريك، بدلاً من أن يستخدم ما يفترض أن يتمتّع به من “حكمة”، ونفوذ سياسي وعائلي لعقلنة صهره، وكبح جماح تهوّره السياسي و”شهوته” السلطوية.

من المؤكّد أنّ باسيل المأزوم والمعزول، يخوض حالياً معركة سياسية مفتوحة على كلّ الجبهات، تطال الحلفاء والخصوم في وقت واحد، معتمداً على المزايدات الشعبويّة المسيحيّة و”الوطنيّة”، لتوجيه رسائل داخليّة وخارجيّة، توحي بإبتعاده في الموضوع الرئاسي عن “حزب الله”، المصرّ على مرشح يدور في فلك خط الممانعة، مما دفعه الى الاعلان عن إستعداده للتفاوض على أسماء من خارج الاصطفافات.

فهل إيحاءات باسيل هدفها استدراج عروض لتحالفات جديدة مع خصومه، مقابل انفصاله عن “حزب الله”، من خلال التلويح بطرح اسم للرئاسة الأولى بدلاً من الاكتفاء بالورقة البيضاء؟

مما لا شكّ فيه، أنّ باسيل يتطلّع من خلال مواقفه التصعيدية هذه، إلى كسب الوقت علّه يعيد الاعتبار الى نفسه بما يضمن له إدراج اسمه على لائحة المرشحين في سباقهم إلى رئاسة الجمهورية.

وهنا يكمن تخوّف “حزب الله” وخشيته من مواقف باسيل التصعيديّة تجاهه، بصورة مفاجئة في التوقيت والمضمون.

وتتساءل أوساط الحزب: هل أنّ باسيل في هجومه المباشر على نصر الله أراد أن يتموضع ويتناغم مع قوى مناهضة للحزب؟ وبالتالي هل أراد من خلال هذا الهجوم، تقديم أوراق إعتماده إلى قوى إقليمية ودولية علّها تتحرّك لازالة العقوبات الأميركية المفروضة عليه؟

الحزب الذي يجيد ببراعة كيف ينظم هدوءه، من دون الانجرار إلى ردود إنفعالية، تؤكد مصادره أنه يتابع بعقل وأعصاب باردة مسار حركة باسيل، إزاء المتغيّر الخطير في خياراته ومواقفه، التي أطاحت بما تبقى من تفاهم “مار مخايل”، بدلاً من ترميمه، ليبني على الشيء مقتضاه.

السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق: هل “حزب الله” قادر على تحمّل تبعات خسارة حليفه العوني، الذي طالما وفّر له الغطاء المسيحي، خصوصاً في غياب الشريك، السّني، مما قلّل من حديّة هويّته المذهبيّة والدينيّة المرتبطة عقائدياً بولاية الفقيه؟

في الواقع، إنّ التحالف الذي قام بين “حزب الله” والتيار العوني هو أعمق من أن يكون حلفاً سياسياً بمعناه السطحي، لأنّ الحزب أراد من خلال هذا التحالف، التأسيس لبنانياً لتحالف الأقليات، تماشياً مع المشروع الفارسي في المنطقة، للإطاحة بنظم بلدانها المركزية وسلطاتها.

لذلك، فإنّ إستراتيجية الحزب العميقة، هي بالنسبة الى حساباته السياسية أهم من كل التفاصيل المتغيّرة. هذا ما يجعله غير متسرّع لكسر “الجرة” مع باسيل، خصوصاً وأنّ ذلك ستكون له تداعيات سياسية (أقله) على المدى القريب في ما خصّ الاستحقاق الرئاسي، بحيث أنّ الحزب لا يزال يملك أوراقاً تفاوضية و”جوائز ترضية” لباسيل، منعاً لذهابه بعيداً في إتخاذ مواقف من شأنها أن ترفع سقف المطالب المسيحيّة، في إطار التنافس المستمر مع “القوات اللبنانية”.

لكن مقابل ذلك، فإنّ الحزب الذي يجمع أخطاء باسيل، لا سيما المميتة منها، عندما يتمكّن من إيصال مرشحه (سليمان فرنجية) الى الرئاسة، يكون قد انتقل إلى مرحلة جديدة من حلف الأقليات في لبنان، على غرار التحالف بين سليمان فرنجية الجد، وحافظ الأسد، خصوصاً وأنّ فرنجية مصدر ثقة وإطمئنان للحزب، لجهة التزامه بثوابته وقناعاته.

شارك المقال