بين تعقيدات الداخل ومصالح الخارج… كيف السبيل للحل؟

هيام طوق
هيام طوق

بعد أكثر من ثلاث سنوات من الأزمات الخانقة المتتالية التي تضرب البلد بعشوائية ووحشية، والكثير من الهزات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية والاجتماعية، بات من المؤكد أننا نعيش على فالق ناشط جداً، والأنكى من كل ذلك أنه فيما يعترف العلماء والجيولوجيون بأنهم قاصرون وعاجزون أمام غضب الطبيعة التي تأخذ في طريقها الأخضر واليابس، فإن السياسيين والمسؤولين الذين أوصلوا البلد الى الحضيض، وأهله الى الجوع واليأس والاحباط، لا يقرّون بأنهم مخطئون ومرتكبون وعاجزون لا بل يستمرون في سياساتهم الخاطئة، واختلافاتهم اللامتناهية، وكيدياتهم المتلاحقة، وأنانياتهم المتعاظمة على أنقاض الوطن.

إذاً، كل المؤشرات تؤكد أن لا حلحلة ولا بصيص انفراج في الأفق، وكل الأطراف دخلت في مرحلة عض الأصابع ومن يصرخ أولاً وسط معادلتين: الأولى خارجية اذ أصبح الكل على قناعة بأن المجتمع الدولي يتعاطى مع لبنان من بعيد لبعيد أي وفق استراتيجية اعملوا لمصلحة بلدكم لنساعدكم، ولا يتوقف عن المطالبة بالاصلاحات، والتخلي عن الخلافات الداخلية، وايجاد الحلول المناسبة لأن المعرقلين سيتعرضون لعقوبات اضافة الى فتح ملفات الفساد وهدر المال العام الذي أدى الى انهيار المؤسسات. وبعد انتهاء مؤتمر “بغداد 2” في عمّان، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه “يجب تغيير الطبقة السياسية في لبنان. والاستراتيجية هي أن يكون هناك أشخاص من النزهاء مستعدين للقول ان الطبقة السياسية غير مهتمة بهم وأن يتوقفوا عن العيش على حساب الناس”. والمعادلة الثانية داخلية حيث الاختلاف في أوجّه بين الأفرقاء على رئاسة الجمهورية، وفي المجلس النيابي وفي اجتماعات الحكومة، وفي مختلف القضايا التي تؤثر مباشرة على حياة الناس ومسار الأوضاع، وبالتالي، فإن التوافق غير وارد لا بل مستحيل في ظل الانقسام الحاد والاختلاف في الرؤية والاستراتيجية الوطنية. ما يعني أننا أمام معضلتين: مجتمع دولي ينتظر المبادرة من اللبنانيين لمساعدتهم خصوصاً أنه منشغل بهمومه من الحرب الأوكرانية الى الملف النووي الايراني، والداخل اللبناني منقسم على نفسه ويختلف حتى على جنس الملائكة. ويبقى السؤال هنا: كيف السبيل الى الحل طالما أنه لن يأتي لا من الداخل ولا من الخارج؟

رأى الوزير السابق فادي عبود أن “من يتعاطون في السياسة والشأن العام والمسؤولين عن ايجاد الحل ليس لديهم (معلمية) الحل، حتى أنهم لا يتقنون التقليد أو نسخ الاصلاحات التي حصلت في العديد من الدول كما ليست لديهم النية، على الرغم من مشكلاتنا الاقتصادية والمالية والسياسية، لا يعرفون ولا يريدون، لذلك نتخبط في مشكلاتنا”، معتبراً أن “على المسؤولين كخطوة أولى، البدء بالاصلاحات. لسنا جديين في عملية الاصلاح وفي مكافحة الفساد الذي زاد عما كان عليه قبل الانهيار. وبالتالي، لا نزال نسير في الاتجاه نفسه وليس هناك من حل قريب لا على المستوى السياسي ولا المالي ولا الاقتصادي”. وأوضح أن “التصدير بدل أن يزيد 30 أو 40 في المئة انخفضت صادراتنا وانهارت عملتنا”.

وأشار الكاتب والمحلل السياسي الياس المر الى مسارين “المسار الخارجي الذي يبحث عن التسوية الأفضل التي لن تبدأ من لبنان انما تصل اليه جاهزة. التسوية في المنطقة تبدأ من اليمن حكماً، وفي حال ثبتت الهدنة، تنعكس ايجاباً على الملفات العالقة في المنطقة خصوصاً في ظل العودة الخليجية الى سوريا. الأجواء الخارجية وفي الاقليم مقبولة في حدها الأدنى على مستوى ربط النزاع إن كان على الخط السعودي – السوري – الايراني أو على الخط العربي – الخليجي – السوري. لا يمكن القول ان صفحة الخلافات طُويت الى غير رجعة انما هناك نوع من التهدئة، عززتها الضرورات الانسانية، وساهمت الطبيعة في هذا الاطار بحيث أصبح هناك مصطلح جديد تحت ما يسمى ديبلوماسية الزلازل أو الطبيعة التي فرضت التعاون على المستوى الانساني. اذاً، هناك أجواء تهدئة في المنطقة. اما في الداخل، فلدينا مشكلة كبيرة بحيث هناك سقف عالٍ في المواقف، وفقدت القوى السياسية مرونتها مع العلم أن الدول التي تدعمها في جو التسوية. فريق الممانعة لديه عقدة الخلاف المستجد بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهو يسعى الى انتخاب رئيس بـ 65 صوتاً”.

ولفت الى “التعنت الداخلي بحيث تلعب القوى السياسية (سولد) في خلافاتها خصوصاً بين الحزب والتيار الذي بالنسبة اليه اتفاق مار مخايل لا يساوي شيئاً اذا وصل النائب السابق سليمان فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزيف عون الى سدة الرئاسة. اذا اكتملت عناصر التسوية الاقليمية بدءاً من اليمن مروراً بسوريا والعراق وصولاً الى لبنان، فإننا سنشهد على انتخاب رئيس للجمهورية”.

وقال: “اننا لا نزال في مرحلة الترقب، وعلينا انتظار التطورات الاقليمية، وانتظار بعض اللقاءات المتوقعة التي يمكن أن تؤدي الى خرق في الجدار اللبناني. هناك حركة اقليمية، وبالتالي، ليست الأرض وحدها التي تتحرك انما أيضاً الملفات السياسية في المنطقة، وعلينا مراقبة اتجاهات هذه الحركة، ونتائجها ومفاعيلها، وعلى اساسها يمكن تحديد الوجهة”.

وأكد أن “الخارج لن يسمّي رئيساً، واليوم علينا أن نميز بين تعاطي الخارج مع الملف الرئاسي مباشرة، وبين الحركة التي تحصل بين الدول. واذا كانت بعض القوى منتظرة أن تجتمع الدول، وتسمّي اسماً لرئاسة الجمهورية، فهذا غير وارد لأن الخارج لا يتعاطى بهذه الطريقة. نحن في بلد لا يصنع السياسات انما يتأثر بالسياسات الخارجية، وبالتالي، علينا مراقبة الحركة الاقليمية والخارجية. الحلحلة في الخارج تنعكس حلحلة في الداخل والتأزم في الخارج ينعكس تأزماً في الداخل”.

ورأى “أننا ذاهبون الى المزيد من الشغور والفوضى لأننا نلعب على حافة الهاوية، وننتظر في ظل الانهيارات على المستويات كافة. الوقت مكلف، والمرحلة دقيقة، والانتظار خطير حتى أن الوضع الأمني غير مكفول، وحين ينهار المجتمع ينهار معه كل شيء. المسار الحالي يوصل الى الفوضى، لكن علينا أن ننتظر من سيسبق التسوية أو الفوضى؟”، لافتاً الى أن “التسوية يمكن أن تولد في أي لحظة ولا أحد يمكنه توقع لحظة ولادتها لأن الاتصالات قائمة وديبلوماسية الزلازل والطبيعة حركت الركود الذي كان مسيطراً”.

شارك المقال