مقتل “التيار”: حماية ظهر “المقاومة”

الياس الزغبي

تحت الخلافات العلنية العاصفة التي تضرب “التفاهم” بين “حزب اللّه” و”التيار العوني”، تكمن حقيقة صادمة انزلقت على لسان أحد نواب “التيار” في قوله ما معناه: لم يبقَ من “التفاهم” سوى حماية ظهر المقاومة!

ربما هي زلّة لسان، لكنها تعبّر بقوة وبصدق عن عمق التورط الذي وقع فيه ميشال عون، أو أوقعوه فيه، حين وقّع “وثيقة مار مخايل” في ٦ شباط ٢٠٠٦.

حقيقة الورطة سنتذاك تجسّدت في البند العاشر والأخير من “الورقة” وعنوانه: “حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته”.

والطامّة الكبرى أن هذا البند الذي يُطلق سلاح “حزب اللّه” إلى أمد غير منظور، وبلا شروط واضحة، أوكل حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته ل”الحزب” وحده، فلم يأتِ على ذكر الجيش اللبناني في هذه المهمة الوطنية المحورية الخطيرة لا من قريب ولا من بعيد. والأشد غرابةً وإيلاماً أن الموقّع على هذا البند تحديداً كان قائداً للجيش!

كما أن “الورقة” من أول كلمة فيها إلى آخر كلمة غيّبت الجيش كلّياً، كما غيّبت الإشارة إلى الدستور واتفاق الطائف والقرارات العربية والدولية والمواثيق الأممية والعربية التي يلتزمها لبنان في مقدمة دستوره.

واليوم، وبعد مرور ١٧ عاماً على “التفاهم”، وتحت وطأة الصراع القائم بين طرفيه على مسائل الرئاسة الأولى والحكومة والتشريع
و”بناء الدولة”، يُعلن “العونيون” أنهم مستمرون في “حماية ظهر المقاومة”، أي عملياً تغطية سلاح “حزب اللّه”، بعد سقوط البنود التسعة الأخرى.

وهل يريد “حزب اللّه” من “التفاهم” أكثر من هذا الالتزام؟

وهل هناك ما يريحه أشد من هذا “التطمين”؟

صحيح أنه يكابر في تكرار القول إنه لا يحتاج إلى حماية أحد، بل إلى عدم الطعن في ظهره، لكنّه يضحك في عبّه حين يسمع شريكه (السابق؟) يكرر تمسّكه بحماية السلاح!

في الواقع، لا انفراط لهذا “التفاهم”، مهما رفع “التيار” عقيرته، إلّا بفرط بند السلاح، والانتقال من الدعم الأعمى له إلى انتقاد وظائفه داخل لبنان وخارجه، وعدم الاكتفاء بالبكاء على أنه لم يدعم “بناء الدولة” (وكأنّ الدولة يبنيها سلاح غير شرعي!).

هذا الانتقال يعني عملياً الاصطفاف في جبهة القوى السيادية التي ترفض سطوة السلاح، وتعمل على إيصال رئيس للجمهورية سيادي متحرر من وصاية ميليشيا “حزب اللّه” والمشروع الاستتباعي الإيراني، والانطلاق في إعادة تكوين سلطات سيادية حرة تضع برنامجاً إنقاذياً للبنان، بدءاً من استرجاع سيادته والمؤسسات الدستورية، وحصر حق الدفاع بالجيش والأجهزة الأمنية الشرعية.

إن العودة عن الخطأ فضيلة، فكيف إذا كانت خطيئة وطنية؟

ولم يفُت الأوان بعد، إذ يمكن لـ”التيار” أن يتحلّى بالشجاعة الأدبية ويعلن عودته إلى وثائقه التأسيسية وأبرزها الكتيّب البرتقالي “الطريق الآخر” الذي دفن غداة انتخابات العام ٢٠٠٥.

امّا البقاء في المنطقة الرمادية، بين السيادة والسلاح، فوصفة ناجعة للدخول في طريق الزوال السياسي والشعبي، ونذائر هذه النهاية البائسة واضحة وموجعة.

فلعلً المتخبّطين يتعظون!

شارك المقال